بقلم الأستاذ علي ابراهيم*
يُمكن تعريف الهجرة بأنّها انتقال الأشخاص من بلدهم إلى بلد آخر غير موطنهم الأصلي لا يحملون جنسيته بهدف الاستقرار والإقامة فيه بشكل دائم أو بهدف الحصول على جنسية ذلك البلد، وقد أثمرت الهجرات عبر التاريخ عن فوائد اجتماعية واقتصادية وثقافية عديدة تعود على الدول، حيث إنّ هذه الظاهرة كانت إحدى أسباب تطوّر المجتمعات واندماج الحضارات والثقافات، فالعديد من الدول الحديثة نشأت من حركات الهجرة التي أدّت إلى اختلاط العديد من الأعراق والثقافات وتكوين نسيج مجتمعي واحد.
أصبحت الهجرة في عام 2024 محور الاهتمام العالمي، وهذا يعكس التأثير المتزايد للأزمات والتغيرات السياسية والضغوط العامة. فلقد أثّر تدهور الوضع الإنساني وموجات النزوح الجديد على ملايين الناس حول العالم.
جرت هذه العمليات على خلفية الانتعاش الاقتصادي المستمر بعد وباء كورونا، الأمر الذي أدّى إلى تعقيد عملية تكييف سياسات الهجرة في مختلف البلدان. لقد أجبرت الأزماتُ العالمية والصراعات العديدة الناسَ على البحث عن ملجأ في دول أخرى، بالرغم من القيود المتزايدة في أنظمة الهجرة.
في الوقت نفسه، سبّب صعود بعض القادة السياسيين إلى اشتداد الجدل والنزاع حول معايير الهجرة التي قادت إلى فرص وتحديات معاً. ففي بلدان معيّنة لقيت موجات الهجرة ردّة فعل عنيفة من قبل المشرعين والسكان المحليين، في حين تزايد الطلب على العمالة الأجنبية الماهرة في بلدان أخرى.
حسب الإحصائيات، شارك في الانتخابات البرلمانية والرئاسيّة في كل دول العالم في عام 2024 حوالي ملياري شخص، وقادت هذه الانتخابات إلى نتائج غير متوقعة، لذلك يمكن اعتبار عام 2024 نقطة تحوّل كبيرة في موضوع العلاقة بين الهجرة والحياة السياسية في البلدان التي جرت فيها انتخابات.
تمكن السياسيون الشعبويون والحركات الراديكالية من تعزيز مواقعهم في الأطياف السياسية، ولقد كانت ظاهرة الهجرة ووباء كورونا والأزمات الاقتصادية من أهم العوامل التي أثّرت على نتائج الانتخابات.
في الولايات المتحدة كانت الهجرة من أهم العوامل التي استخدمها دونالد ترامب في حملته الانتخابية، فالولايات المتحدة هي من أكثر الدول المستقبلة للمهاجرين، لذلك ستؤثّر الإجراءات التي ستستخدمها الولايات المتحدة في نظام الهجرة على مجمل المعايير الإنسانية الدولية في التعامل مع هذا الملف.
ازداد في أوروبا بشكل ملحوظ دور القوى اليمينية. ففي فرنسا على سبيل المثال صعد نجم حزب “التجمع الوطني”، وفي ألمانيا “حزب البديل الألماني” حاز على نتائجَ متقدّمةٍ في الانتخابات البرلمانية، كذلك الأمر في هولندا تمكن “حزب الحرية اليميني” من تحقيق فوز كبير في الانتخابات البرلمانية.
وكان لصعود هذه الأحزاب دورٌ كبيرٌ في إعادة صياغة قوانين الهجرة، ففي العديد من الدول الأوروبية بدأ الحديث عن وضع قيود على المهاجرين، كما أنه بدأ الحديث عن إنشاء مركز خارج أوروبا لاستقبال المهاجرين؛ لكي يتمّ توزيعهم لاحقاً على البلدان الأوروبية.
كما أنّ جنوب إفريقيا وبنما وجمهورية الدومينيكان بدأت بوضع معايير أكثر قسوةً على الهجرة الشرعية، لذلك نلاحظ أن الهجرة كانت من العوامل الحاسمة في تشكيل الأطياف السياسية في معظم البلدان.
في الكثير من البلدان يزداد قلق السكان المحليين، كما تزداد ضغوط القوى السياسية اليمينية، والهدف هو تقليل عدد المهاجرين وبرامج اللجوء بالرغم من البرامج الإنسانية المتعدّدة للتعامل مع الموضوع.
على هذه الخلفية، بولندا شدّدت إجراءات الدخول على حدودها الشرقية بسبب تدفّق اللاجئين الأوكرانيين على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية. كذلك الأمر اتخذت فنلندا إجراءات مماثلة. إضافةً إلى البيرو وتشيلي اللتين زادتا درجة مراقبة المهاجرين الفنزويليين، وإجراءات الحصول على الفيزا، كما أنها قامت بحملات ترحيل للاجئين. والآن ملايين اللاجئين الأفغان في إيران وباكستان مهدّدون بالترحيل.
في كندا وأستراليا والولايات المتحدة أدّت حركة الهجرة إلى ضغط شديد على سوق العقارات، الأمر الذي دعا هذه البلدان الى اتخاذ تدابير جديدة لتقليص الهجرة الشرعية أيضاً. خططت كندا لاستقبال 1.5 مليون مهاجر بين عامي 2023 و2025، هذا العدد يشكل حوالي 4% من السكان. ولكن عدم كفاية المساكن والأسعار المرتفعة أدّت الى حالة من الغضب في أوساط الكنديين، الأمر الذي قاد إلى اتخاذ تدابير إضافية حيال قوانين الهجرة من أجل تقليص الطلب على السكن.
في أستراليا، حيث بلغت أعداد المهاجرين أرقاماً قياسية، اقترحت بعض القوى السياسية اليمينية منع بيع المنازل للمستثمرين الأجانب. في إيرلندا وفرنسا وهولندا بدأت بعض الأحزاب اليمينية تقترح ضرورة إعطاء الأفضلية في السكن لمواطني تلك الدول.
في الولايات المتحدة، بالرغم من الاعتراضات الشديدة على الهجرة غير الشرعية إلا أنّ البيانات تؤكّد أنّ للمهاجرين غير الشرعيين دوراً كبيراً في قطاع البناء. لذلك تجد الإدارة الأمريكية نفسها أمام معضلة جديدة أطرافها اجتماعية -اقتصادية -إنسانية، ويصعب على صانع القرار في الكثير من الأحيان إيجاد الوسط الذهبي بين هذه المحددات المتغيرة زماناً ومكاناً. في الولايات المتحدة الأمريكية يوجد حوالي 11 مليون مهاجر غير شرعي، معظمهم يعمل في مجالات البناء والزراعة والفنادق والخدمات المنزلية.
تبيّن البيانات أنّ مستوى الجريمة بين المهاجرين غير الشرعيين أقلُّ منها بين الأمريكيين الأصليين، لذلك بدأت الحكومة الأمريكية تفكر ببعض الحلول التي تؤدّي إلى قوننة وجود هؤلاء المهاجرين والبحث عن معايير تؤدي إلى فرز المهاجرين إلى مهاجر مفيد وآخر غير مفيد يجب ترحيله. هذه العملية تجد الكثير من الصعوبات أمام المشرعين الأمريكيين وقادت إلى قناعات أنه لا بدّ من دراسة كل حالة فردية على حدة. وهذا بحد ذاته عمل طويل ويحتاج إلى الكثير من الموارد البشرية ومؤسسات الهجرة للوصول الى نتائج مناسبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ علي ابراهيم – كاتب و مراسل صحفي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً