بقلم الدكتور محمد عياش*
تمّ وبفضل الله عز وجل انعقاد القمة العربية في العاصمة العراقية بغداد، السبت مايو/ أيار 17/5/2025 والحمد لله لم تنقطع الكهرباء، ظهر الهمُّ والقلق على رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، وذلك بعد النجاح الذي أظهرته الورش الفنية المعنية بذلك.
كالعادة يا سادة، غاب أغلب الرؤساء والملوك والأمراء العرب، وناب عنهم من يمثلهم بغضِّ النظر عن الصفة، المهم انعقدت القمة العربية في دورتها الرابعةِ والثلاثين، لتخرج ببيان ختامي شبيه إلى حدٍّ ما بالبيانات السابقة للقمم مع التغيير وبعض الكلمات من جهة الصوغ اللغوي، ناهيك عن التنديد والشجب والاستنكار الحاضرين بشكل دائم بالبيانات الختامية.
السؤال الكبير الذي يفرض نفسه مع كل قمّة، لماذا هذه القمة، وما هي الأهداف المرجوة من انعقادها…؟ هذه القمة جاءت تلبية للوقت والموعد الذي حُدد لها، أما ما يجري في فلسطين، ولبنان، واليمن، والسودان، وليبيا، وعن الخلاف الجزائري الإماراتي، والاغتراب التونسي والكثير من الخلافات والاختلافات التي لا تعد ولا تحصى، كل هذه الأمور لا يمكن أن تلقى تجاوباً أو مجرد النيات لحلها بهذا الصرح الكبير، المهم ساعة وتنقضي وكل واحد يروح بحال سبيله.
بعد صمود التيار الكهربائي وبقائه، تحدّث الحاضرون عن القضايا والمشاكل العربية، وعلى رأسها بالطبع القضية الفلسطينية التي دخلت بمنعطف خطير جداً، وعلى هذا الأساس يمكن تسمية قمة بغداد بقمة غزة إن جاز أو سمح العرب بذلك التعبير، وبقية المشاكل والخلافات العربية تبقى بالدرجة الثانية، لأن الآلة العسكرية الصهيونية تطحن الفلسطينيين، حيث رفعت إنتاجها اليومي لأكثر من 200 فلسطيني بين شهيد وجريح، والإعلان الصهيوني الواضح بهذه العملية التي أطلق عليها “عربات جدعون” والتي يأمل من خلالها النصر الكامل على المقاومة الفلسطينية وعلى المدنيين والأطفال والشيوخ والنساء، وحتى الحجر والشجر لم يسلم! في واحدة من أبشع الكوارث على سطح الأرض منذ أن خلق الله البسيطة.
لو أرادت العرب توجيه رسالة قوية للكيان الصهيوني، لاختاروا أقرب مكان من فلسطين التاريخية، وصمموا على انعقاد القمة بالقرب منها، لإظهار الغلظة وحجم الغضب الذي يعتمل في الصدور.. الهند عندما أعلنت عن امتلاكها السلاح النووي، اختارت أقرب نقطة من عدوتها التقليدية الباكستان، في رسالة واضحة وجليّة، للتخويف والترهيب.
أما وإن بقيت القمة بموعدها ومكانها بغداد، فهي رسالة سلبية، وفيها الكثير من الإحباط والتشرذم العربي، لاسيما أن العراق لم يتعافَ إلى هذه اللحظة بسبب الأخطبوط الإيراني والأطماع الغربية التي لا تريد لهذا البلد أن يتطور ويعود إلى واجهة العرب بالعلم والمعرفة والتكنولوجية…
أعتقد أن انعقاد القمة في بغداد رسالة إلى الفكر العربي المقاوم، مفادها أننا نحن العربَ بخلافاتنا ومشاكلنا التي تكفينا لسنا مستعدين لمواجهة الكيان الصهيوني، ولا يوجد أدنى فكرة تتصل بالحقوق العربية المسلوبة، والقضية الفلسطينية صحيح أنها قضية العرب المركزية فقط بالبيانات، إلا أنها تُركت وحيدة تلقى مصيرها، وأنها اتفقت مع الراعي الأمريكي، أنها لن تكون مزعجة، أو تحاول التشويش على المخطط الصهيو- أمريكي المزمع قيامه بقطاع غزة أولاً، والضفة الغربية لاحقاً، وأنها أي؛ الدول العربية تنبذ العنف والقتل، ومستعدة للدخول بالسلام الإبراهيمي الذي يمهد له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليكون بمثابة الرافعة لصهره جاريد كوشنير، والانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
حتى في قصص الحيوانات، ومنها الفئران، تجد أنها لا تعدم الحيلة أو الوسيلة لمواجهة القطط، وبالتالي فقد قررت بعض الفئران، وهذا قرار جريء يحسب لهم بأنهم امتلكوا زمام المبادرة، بأن يضعوا جرساً على رقبة القط من أجل سماعه لدى قدومه والنيل منهم، إلا أنهم لم يجدوا الفأر الشجاع الذي سيضع الجرس على رقبة القط وهو نائم.. وتلك مشكلة عويصة.. والخطة قائمة في ذهنية الفئران.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز JSM وإنما تعبّر عن رأي كاتبها حصراً