بقلم الدكتور يونس الديدي*
في أبريل 2025، شهدت منطقة كشمير تصعيدًا خطيرًا بين الهند وباكستان، عقب هجوم دموي استهدف سياحًا هنودًا في منطقة باهالغام، مما أسفر عن مقتل 26 شخصًا. اتهمت الهند جماعات مسلحة مدعومة من باكستان بالوقوف وراء الهجوم، وردت بشن ضربات جوية على أهداف داخل الأراضي الباكستانية، بما في ذلك قواعد عسكرية ومراكز قيادة. في المقابل، نفذت باكستان عمليات انتقامية باستخدام الطائرات المسيرة، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من الجانبين، وتصاعد التوترات إلى مستويات غير مسبوقة منذ حرب كارغيل عام 1999.
جذور النزاع: كشمير كمنطقة نزاع دائم
يعود النزاع بين الهند وباكستان إلى عام 1947، عقب تقسيم الهند البريطانية وإنشاء دولتين مستقلتين: الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان ذات الأغلبية المسلمة. كانت ولاية جامو وكشمير، ذات الأغلبية المسلمة، تحت حكم مهراجا هندوسي، ما أدى إلى نزاع حول انضمامها إلى أي من الدولتين. اختار المهراجا الانضمام إلى الهند، مما أثار غضب باكستان وأدى إلى سلسلة من الحروب بين البلدين. منذ ذلك الحين، أصبحت كشمير منطقة نزاع مستمر، مع تكرار الاشتباكات والعمليات العسكرية، وتزايد التوترات بين الجانبين.
تحولات في طبيعة الصراع: من الحروب التقليدية إلى المواجهات غير المتكافئة
تميز التصعيد الأخير باستخدام واسع للطائرات المسيرة والهجمات السيبرانية، مما يشير إلى تحول في طبيعة الصراع من الحروب التقليدية إلى مواجهات غير متكافئة. أصبحت القدرة على تنفيذ ضربات دقيقة وسريعة دون الحاجة إلى تدخل بري مباشر سمة بارزة في النزاعات الحديثة. كما أن استخدام المعلومات المضللة والدعاية الإعلامية أصبح أداة فعالة في تشكيل الرأي العام وتوجيهه.
إلى جانب السلاحين المسيّر والسيبراني، يُعد الإعلام ـ لا سيما في عصر الذكاء الاصطناعي ـ جزءًا من المعركة. فقد باتت الدعاية، والمعلومات المضللة، والحرب النفسية، أدوات استراتيجية في توجيه الرأي العام الداخلي والخارجي. في الصراع الحالي، تم تناقل مقاطع مصورة مفبركة تُظهر “بطولات ميدانية”، وأخرى تبث الذعر، مما يثير تساؤلات عن صدقية أي سرد يُعرض عبر الإنترنت.
هكذا، فإن الصراعات المعاصرة لا تُدار فقط في ميدان القتال، بل في السماء، وفي السيليكون، وفي الوعي الجمعي للشعوب
الإيمان بالقضية والقدرة على التحمل: عوامل حاسمة في النزاعات الحديثة
في ظل هذه التحولات، لم تعد القوة العسكرية التقليدية وحدها كافية لحسم الصراعات. أصبح الإيمان بالقضية والقدرة على التحمل والاستعداد للتضحية عوامل حاسمة في تحديد مسار النزاعات. في كشمير، يعاني السكان من التوترات المستمرة والقيود المفروضة، مما يزيد من شعورهم بالظلم ويعزز من عزيمتهم على المقاومة. كما أن الجماعات المسلحة تستفيد من هذا الشعور لتجنيد المزيد من الأفراد وتعزيز وجودها.
هذا النمط ليس حكرًا على كشمير. فقد شهدناه في أفغانستان، حيث لم تفلح جيوش الناتو، رغم تفوقها العسكري الساحق، في كسر إرادة طالبان، التي اعتمدت على الحرب الطويلة واستنزاف الخصم في حرب استنزاف امتدت لعقدين. وفي فلسطين، ورغم القوة الإسرائيلية غير المتكافئة، تُبقي حركات المقاومة جذوة المواجهة مشتعلة، مدفوعة بإيمان شعبي راسخ بعدالة القضية واستعداد دائم للتضحية.
في كشمير، تستفيد الجماعات المسلحة من هذه البيئة، إذ تجد في القمع حاضنةً للتجنيد والدعم، مستثمرة مشاعر الإقصاء وتغييب التمثيل السياسي الحقيقي في صناعة سردية شعبية تُبرّر الكفاح المسلح. فالإيمان بالقضية، في زمن الطائرات المسيّرة، يظل وقودًا لا يمكن للطائرات رصده ولا للصواريخ اعتراضه.
المآلات المحتملة: بين التصعيد والتهدئة
رغم التصعيد الخطير، أبدى الطرفان استعدادًا مشروطًا لوقف الأعمال العدائية إذا أبدى الطرف الآخر نفس النية. أعلنت باكستان استعدادها عن وقف فوري لإطلاق النار، بينما لم تؤكد الهند ذلك رسميًا. تدخلت قوى دولية، مثل الولايات المتحدة والصين ودول مجموعة السبع، للضغط من أجل التهدئة والحوار المباشر بين الجانبين. ومع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة من احتمال حدوث تصعيد غير محسوب قد يؤدي إلى مواجهة أوسع.
خاتمة: الحاجة إلى نهج جديد لحل النزاع
يعكس التصعيد الأخير بين الهند وباكستان الحاجة الماسة إلى نهج جديد لحل النزاع في كشمير. ينبغي التركيز على معالجة الأسباب الجذرية للصراع، بما في ذلك مطالب السكان المحليين بالعدالة والكرامة والتمثيل السياسي. كما يجب تعزيز الحوار بين الجانبين، والابتعاد عن السياسات القومية المتطرفة التي تؤجج التوترات. فقط من خلال تبني نهج شامل ومتكامل يمكن تحقيق سلام دائم في المنطقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور يونس الديدي – كاتب صحفي، محاضر وأستاذ جامعي، باحث في الشؤون السياسية.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي كاتبها حصراً