بقلم الدكتور عبدالله العبادي*
يعرف موضوع الشباب، اليومَ، اهتمام حكومات عربية وإفريقية عديدة، وتصدر الملفات الساخنة على طاولة النقاش لدى الساسة وحكومات القارة، بعد أن تحوّل المنظور العام لواقع الشباب، مع القفزة الرقمية المتسارعة التي نعيشها، من سياق اللامبالاة وعدم الاكتراث بشؤونهم الضرورية، إلى وصفهم بقوى التغيير والحراك المجتمعي.
لا تزال إفريقيا الأكثر شبابًا في العالم، حيث يبلغ متوسط الأعمار فيها 19 سنة، وبحلول عام 2050، سيعيش واحد من كل ثلاثة أفراد، شباب. ومع ذلك، ما زال أكثر من80 بالمئة من العمال الأفارقة يعملون في القطاع غير الرسمي. وفي كل سنة، يدخل ما بين 10 إلى 12 مليون شاب إفريقي سوق العمل.
وبالرغم من السياسات الاقتصادية الفاشلة، والعديد من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي تعرفها معظم مجتمعات القارة، وكذا تحديات البطالة والفساد، وجد العديد من الشباب سبلاً لبناء وتعزيز الحراك نحو إرساء سياسة فعالة للإصلاح.
فالشباب الإفريقي يتجاوز الاستراتيجيات القديمة والأشكال والأدوات التقليدية، جيل جديد يعمل من خارج الإطار الحزبي الضيق للمؤسسات التقليدية، التي هيمنت على صناعة القرار، وأصبح الجيل الجديد يفضّل العمل الأفقي، على العمل العمودي، وأهدافه مختلفة بصورةٍ كبيرةٍ عن الأجيال القديمة.
وتعتمد طريقة عمله بدرجة كبيرة على التقنيات الجديدة ومواقع التواصل الاجتماعي، فلديه قدرة أكبر وأسرع على الحشد والتعبئة وحملات كسب التأييد، لذلك فطريقه أسهل بكثير لتجاوز كل الحدود والمعوقات التقليدية وابتكار شعارات وترويج أفكار بصورة سريعة ولافتة.
هذا التحول العميق في مفهوم العمل السياسي بين جيل الشباب اليوم والأجيال السابقة أدّى إلى انتقال الفعل السياسي والتأثير من الأحزاب الكلاسيكية إلى الحركات الاجتماعية، وبروز مصطلحات جديدة نسجتها مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار المعلومة وسرعتها، حيث أصبح لديها القدرة الفاعلة والمؤثرة في إعادة صوغ وتشكيل المناظرات الوطنية والإعلامية داخل كل دولة.
مما أثّر، بدوره، بدرجة كبيرة في نظريات الاتصال السياسي والجماهيري التقليدية، وإيجاد فجوة كبيرة بين وسائل الإعلام التقليدية التي تعتمد عليها الحكومات، وبين الثقافة المنتشرة، واللغة الجديدة التي يتداولها شباب اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي، تعبيرا عن غضبهم من واقع لا يخدم مصالحهم.
فقد ساهم عجز العديد من الحكومات في القارة عن أداء دورها السياسي الرشيد، وتقديم الخدمات الاجتماعية لشعوبها بشكل كبير، في تزايد التوتر بين الشباب الحامل للفكر الإصلاحي، وبين جيل قديم من المؤسسات السياسية التقليدية الذين يمتهنون سياسة الاستبعاد والإقصاء، وانعكس ذلك في نمط الفساد الذي ابتُليت به معظم الدول الإفريقية.
إذ يحتل ما يقرب من نصف الدول الإفريقية مراتب في الربع الأسفل من مؤشر نسبة الفساد التابعة لمنظمة الشفافية الدولية، وتُبرز هذه الاتجاهات الضغوط الاجتماعية المتزايدة، من أجل التغيير، وفك الارتباط بالجهات الخارجية التي استغلت القارة لعقود طويلة.
الخلاصة أنّنا أمام جيل جديد من شباب القارة، وعيه التغييري آخذ في التصاعد والتطور، يشعر بالقلق الشديد اتجاه مستقبله، تجاوز العوائق السياسية التي انبثقت من طبيعة العمل السياسي في العقود الماضية، ويحمل اليوم رؤىً ومفاهيمَ واستراتيجياتٍ وخطاباً ولغةً مختلفة، تنزع نحو التغيير والخروج من صندوق الخوف وتجاوز فكرة الهروب من الاشتباك مع الواقع السياسي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور عبد الله العبادي – كاتب صحفي، محرر الشؤون العربية و الأفريقية في صحيفة الحدث الأفريقي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً