بقلم الدكتور آصف ملحم*
الإرهاب- هو كل الأعمال العنيفة، من تدمير وقتل واحتجاز رهائن واضطهاد ضدّ السكان المدنيين بهدف إخافة الخصوم السياسيين وفرض شروط معيّنة عليهم.
الإرهاب في بنيته وماهيّته هو إيديولوجيا العنف وممارسة التأثير على الوعي العام وعلى صنع القرار من قبل الهيئات الحكومية أو الهيئات الحكومية المحلية أو المنظمات الدولية، عن طريق ترهيب السكان المدنيين.
تقوم إيديولوجيا الإرهاب على مجموعة من الأفكار والمفاهيم والمعتقدات والأهداف والشعارات التي تبرّر الحاجة إلى النشاط العنفي، وتهدف إلى تعبئة الناس للمشاركة في هذا النشاط. وهذا هو أحد القوى المحرّكة للإرهاب كظاهرة، إذ تدفع هذه القوة الأشخاص إلى ارتكاب أعمال عنيفة، وفي بعض الأحيان التضحية بأنفسهم. وفي الواقع، هذا هو أحد الركائز الرئيسة التي يستند إليها الإرهاب؛ إذ رأينا أن العديد من الشباب يقومون بما يقومون به من أعمال عنفيّة عن قناعة وإيمان. في هذا السياق، لا يجب أن نغفل الأسس الاقتصادية والمادية والتقنية بهدف تجديد موارد الإرهاب (أو المنظمات الإرهابية). لذلك ليس من قبيل المصادفة أن يكون دعم الأعمال الإعلامية والدعائية المناهضة للأنشطة الإرهابية أحد الطرق الهامة و الناجعة لمكافحة الفكر الإرهابي.

من أهم مجالات مكافحة المظاهر الإرهابية في البيئة العامة، الوقاية منها؛ ومن المهم بشكل خاص القيام بمثل هذا العمل الوقائي بين الشباب، لأن هذه البيئة، بسبب عدد من العوامل المختلفة، هي واحدة من أكثر البيئات عرضةً للتأثير السلبي لفكر الجماعات الإجرامية المعادية للمجتمع.
إن الضعف الاجتماعي لدى الشباب، وطلب الكمال في التقييمات والأحكام، وعدم النضج النفسي، والاعتماد الكبير على آراء الآخرين، ليست سوى بعض الأسباب التي تسمح لنا بالحديث عن إمكانية انتشار الأفكار المتطرفة بسهولة بين الشباب. والحقيقة أن الفكر المتطرف قابل للانتشار على نطاق واسع بين الشباب.
في كل دول العالم تمّ تحديد مجموعة من التدابير لمكافحة الإرهاب، ويمكن تقسيمها إلى عدة مستويات:
1-المستوى القانوني: عن طريق تعميم القوانين المرتبطة بالإرهاب على السكان ونشر المعرفة والثقافة القانونية في هذا المجال.
2-المستوى الإعلامي والمعرفي: في كشف جوهر الإرهاب وخطره وأهدافه وما إلى ذلك عن طريق الحوارات والمنتديات والمحاضرات والطاولات المستديرة. والحقيقة أن وسائل الإعلام تستطيع أن تلعب دوراً بارزاً في هذا المستوى.
3-المستوى الإداري: عن طريق إصدار الأوامر والتعليمات بشأن الالتزام بالقواعد المعمول بها، وتعيين الأشخاص المسؤولين عن تنفيذ التدابير الوقائية.
في كل دولة من دول العالم تمّ وضع مجموعة من المبادئ لمكافحة الإرهاب، سأستعرض سريعاً المبادئ الأساسية المعمول بها في روسيا:
-ضمان وحماية الحقوق والحريات الأساسية للإنسان والمواطن.
-الشرعية.
-أولوية حماية حقوق ومصالح الأشخاص المعرّضين لخطر الإرهاب.
-حتمية العقاب على ممارسة الأنشطة الإرهابية.
-الاستخدام المنهجي والشامل للتدابير السياسية والإعلامية والدعائية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والخاصة وغيرها لمكافحة الإرهاب.
-تعاون الدولة مع الجمعيات العامة والدينية والمنظمات الدولية وغيرها والمواطنين في مكافحة الإرهاب.
-أولوية التدابير الرامية إلى منع الإرهاب.
-وحدة القيادة في إدارة القوات والموارد المشاركة في تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب.
-الجمع بين الأساليب العلنية والسرية لمكافحة الإرهاب.
-سرية المعلومات المتعلقة بالوسائل الخاصة والأساليب التقنية والتكتيكات المستخدمة في تنفيذ تدابير مكافحة الإرهاب، وكذلك تركيبة المشاركين فيها.
-عدم جواز تقديم التنازلات السياسية للإرهابيين.
-التقليل من عواقب الإرهاب و/أو القضاء عليها.
-تناسب التدابير المتخذة لمكافحة الإرهاب مع درجة التهديد الإرهابي.
تشير الأبحاث العلمية إلى أنه على الرغم من وجود بعض الخصائص النفسية المتشابهة، فإنه لا يوجد أساس للحديث عن وجود صورة نموذجية للإرهابي. ولكن من الممكن فرز نمطين نفسيين على الأقل يتمظهران بوضوح، وهما شائعان بين الإرهابيين:
-النمط الأول يتميز بالذكاء العالي والثقة بالنفس والاعتداد بالذات والرغبة في تحقيق الذات.
-النمط الثاني يتميز بضعف الثقة بالنفس والفشل و”الأنا” الضعيفة وانخفاض تقدير الذات.
لكن كلا النمطين يتميزان بالعدوانية الشديدة، والرغبة في تأكيد الذات، والتعصب.
يعتبر النمط النفسي الثاني بمثابة أحجار البناء المثالية في أي جماعة إرهابية، حيث يجد هذا الفرد الضعيف الدعم، والشعور بالفائدة، والثقة بالنفس، والشعور بالانتماء.
و الحقيقة يسهل استقطاب هذا النمط لبناء جماعة إرهابية إذا ما تم توفير بعض “التحضير” النفسي، الذي من الأسهل تنفيذه في حشد من الناس. فمن أجل ترسيخ نفسه كعضو في هذه المجموعة والشعور بالأمن، يتبع ذلك الشخص المستهدف فكرة ما تبرر بسهولة أياً من أفعاله.
من هذا العرض الموجز نفهم جيداً أن المستوى التربوي-النفسي هو أحد أهم المجالات التي تستطيع المرأة ذات الإعاقة أن تلعب دوراً كفاعل هام في مواجهة الإرهاب. و نقطة الارتكاز الأساسية في هذا الموضوع هو منح الحياة معنىً وقيمة. فمعنى الحياة بالنسبة لكل إنسان، بغض النظر عن حالته الصحية، هو خلاص الروح. لابد وأن كل إنسان منا مر بظروف صعبة للغاية، ومع ذلك يجب أن نتحمل الصعوبات الجسدية بالتواضع والصبر، فهناك معنىً لكل شيء في الحياة.
وهنا يبرز السؤال الهام:
ما هو السبب الذي يجعلنا لا نقدر الحياة؟
يُقدِّر الناس ما بذلوا من جهد لتحقيقه، فنحن نقدّر ما حصلنا عليه بصعوبة. وكلما زاد العمل الذي تمّ بذله زاد تقديرنا له. ولكن حياتنا أعطيت لنا بلا مقابل، كما هي صحتنا، لم نبذل أي جهد في ذلك، لقد ولدنا للتو وهذا كل شيء، لهذا السبب لا نقدرها، نحن نأخذ ذلك كأمر مسلّم به.
للأسف، معظم الناس يعاملون أنفسهم وحياتهم وصحتهم بهذه الطريقة تماماً!
إذا فكرنا في الأمر بهذه الطريقة، فسوف يتضح لنا لماذا في كثير من الحالات يشعر الآباء (وخاصة الأمهات) بالقلق على الناس أكثر من قلقهم على أنفسهم.
نحن نتعامل مع الحياة والصحة والأشخاص من حولنا وكل ما نملك كما لو كان سيبقى معنا إلى الأبد، إن هذا الموقف يمنعنا من تقديرها.
كلما كان الأمر أكثر تعقيدًا، كلما كان أكثر قيمة!
علينا جميعاً أن نتحمّل مسؤولية حياتنا، علينا أن نستثمر في أنفسنا وندرك أن حياتنا ليست شيئاً يمكن اعتباره أمراً مسلّماً به. و فهم هذا الأمر سوف يزيد من قيمة حياتنا في أعيننا.
تأسيساً على ما سبق، نستطيع التأكيد أنه بتغلُّب المرأة ذات الإعاقة على صعوبات الحياة تمنح حياتها معنى، وتمنح الآخرين أيضاً ما يكفي من الفهم بأنه في الحياة ما يكفي من الحب والجمال والخير والسعادة، التي تستحق أن نعيش من أجلها، الأمر الذي سيساهم من دون أدنى شك في تقليص فرص وقوع بعض الشباب الضائع والفاشل في براثن الإرهاب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور آصف ملحم – مدير مركز JSM للأبحاث و الدراسات (موسكو).
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي كاتبها حصراً