بقلم الأستاذ عباس الزيدي*
أولاً-شكّل انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي صدمة كبيرة لكثير من الدول والمهتمين عام 2016 ولم تتكشف أسبابه الحقيقية إلا بعد نصف عقد من الزمن.
يبدو أن بريطانيا استشعرت الخطر الأمريكي لذلك خرجت من دول الاتحاد لتتخلص من المكيدة الأمريكية وتصبح فيما بعد أكبر ثالث شريك لدول الاتحاد الأوروبي.
ثانياً-الشيخوخة المبكرة لدول الاتحاد الأوروبي هي مكيدة أمريكية بامتياز، استطاعت من خلالها واشنطن إنهاك وإذلال دول الاتحاد الأوروبي وضمان تبعيتها إلى حد ما.
ثالثاً-طرق إنهاك أوروبا
عبر مراحل وآليات مختلفة استطاعت أمريكا أن تنفّذ عملية الخنق الاقتصادي على العديد من دول العالم ومنها دول الاتحاد الأوروبي، بحيث جعلت أوروبا تعيش أزمات متلاحقة كحالة من الإلهاء والمشاغلة ثم تخلت عنها في ظروف صعبة، وهي تعيش الآن حالة من الإذلال، وهذا يحدث مع تذبذب في المواقف الأوروبية وعدم الخروج بموقف موحد.
من أهم الوسائل والطرق التي اتبعتها أمريكا بخصوص أوروبا ما يلي:
1-إلزام دول الاتحاد الاوربي بقرارات الحظر والحصار الأمريكية الاقتصادية التي تفرضها على كثير من الدول، الأمر الذي حدّ من نشاطها التجاري. اليوم تدفع دول الاتحاد ضريبة توقُّف الغاز الروسي والنفط الإيراني والفنزويلي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة والعديد من السلع الأخرى.
2-سيطرة أمريكا على جميع منظمات التجارة العالمية والأممية، إذ من خلالها تفرض قوانينها وقراراتها، وتضع استراتيجيات اقتصادية أحادية تضمن لها السيطرة والهيمنة على حساب الجميع.
3-زجّ دول الاتحاد في سياسات وحروب جانبية مرهقة للاقتصادات الأوروبية، وزيادة الانفاق العسكري.
4-قيّدت حركة شركات الاتحاد العابرة للقارات، وحظرت عليها التعامل مع الدول المستهدفة من قبل واشنطن، مما قلّص مشاريعها وتقوقعت داخل جغرافيتها المحدودة.
5-قلّصت فرص الاستثمار على دول الاتحاد إلا ما ندر.
6-استحوذت على مناطق الموارد الطبيعية في العالم، خصوصاً المعادن النادرة.
7-استولت أمريكا على معظم الأسواق العالمية.
8-فرضت الرسوم الجمركية العالية على البضائع والسلع المستوردة والمصدرة بما يتناسب مع سياستها الاقتصادية.
9-أحكمت سيطرتها على المنافذ وطرق النقل البحرية أغلبها.
10-استخدمت كل الذرائع لإقناع دول الاتحاد في حروبها الاقتصادية مع الصين.
11-ضيّقت الخناق على دول الاتحاد في إفريقيا وأزاحت معظمها تدريجياً.
12-استولت على اليد العاملة الرخيصة، خصوصاً في مجال التكنولوجيا والبرمجيات.
رابعاً-شملت هذه الإجراءات دولاً خارج الاتحاد الأوروبي، وكان من أكبر ضحاياها اليابان.
خامساً-عملية الانعتاق من تبعية الاتحاد الأوروبي للسياسة الأمريكية ليست صعبة أو مستحيلة، وعليها اتخاذ خطوات أكثر جرأة، مثلما ذهبت كل من اليابان وكوريا الجنوبية للتفاهم مع الصين، وهناك فرص أخرى عن طريق التفاهم مع روسيا وإيران.
العالم كله اليوم بحاجة ماسّة، وليس فقط الاتحاد الأوروبي، إلى سبل وآليات جديدة للتحرر من السيطرة والتحكم الأمريكيين بالاقتصاد العالمي!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ عباس الزيدي – باحث سياسي وخبير استراتيجي.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي كاتبها حصراً