إعداد المهندسة سارة ملحم*
برعاية و إشراف مؤسسة BRC العلمية الدولية و عدد من الجامعات العربية الرصينة و بالتعاون مع مركز بيلر للبحث العلمي (تركيا-بريطانيا) و مركز JSM للأبحاث والدراسات العلمية (موسكو)، ومن خلال القسم الأرطوفوني التابع لمؤسسة BRC، نُظِّم بتاريخ 24 سبتمبر 2025 ملتقىً علمياً لمناقشة ظاهرة الشهرة في العصر الرقمي كونها أصبحت تشكِّل أحد أبرز التحولات الاجتماعية والثقافية، إذ لم تعد حكرًا على العلماء أو المبدعين أو القادة، بل أصبحت متاحة عبر منصات التواصل الاجتماعي أمام أي شخص يسعى للظهور والتأثير. ورغم ما تحمله الشهرة من فرص للإلهام والإبداع والتواصل، إلا أنّ الإفراط في ممارستها دون وعي أو ضوابط أخلاقية قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ “الشهرة السامة”. هذه الظاهرة تجعل من “المؤثر” شخصية أسيرة لصورة زائفة، تدفعه تدريجيًا إلى فقدان هويته الحقيقية، بل والتحوّل إلى ما يشبه “المسخ الاجتماعي” الذي يلهث وراء الأرقام والتفاعل الافتراضي على حساب قيمه ومكانته الإنسانية. من هنا تأتي أهمية هذه الندوة العلمية لمناقشة مفهوم الشهرة السامة، وتحليل انعكاساتها على الفرد والمجتمع، واستشراف السبل الكفيلة بتحويل مسار الشهرة من أداة هدم إلى قوة بناء.

افتتحت الندوة الدكتورة نسيمة أولاد سالم من جامعة ورقلة (الجزائر)، و قدمت الكلمات الافتتاحية لنخبة من الباحثين، الذين أغنوا الجلسة بفكرهم وعلمهم وآرائهم.
استهل الدكتور عمر نجم الدين أنجا عميد كلية الآداب في جامعة كركوك (العراق) حديثه باعتباره الشهرة إحدى إشكاليات العصر الراهن. وأكد في مستهل حديثه أن الشهرة ظاهرة تحمل وجهاً إيجابياً وآخر سلبياً، وأنها لم تُخلق إلا بغرض خدمة المجتمع. وأوضح الدكتور أنجا أن الهدف الأساسي للشهرة يتمثل في توجيهها نحو فئة الشباب، حيث تُسهم في دعمهم وتعزيز امتنانهم إذا استُخدمت بشكل صحيح. وأشار إلى أنه في هذه الحالة لا تُشكّل الشهرة أي مشكلة، بل تستوجب من المجتمع والمؤسسات المختلفة توفير الدعم لهذه الفئة. وشدّد الدكتور أنجا على أن الشهرة قد تنقلب إلى أداة سلبية إذا لم تُستثمر بفعالية. وبيّن أن الواقع المعاصر يُظهر أن الشهرة كثيراً ما تتسبب في اضطرابات نفسية لدى المشاهير، حيث يرزحون تحت ضغط نفسي كبير ويعانون من فائض المحتوى المطلوب إنتاجه للحفاظ على مكانتهم.
بدوره أوضح الدكتور آصف ملحم مدير مركز JSM للأبحاث و الدراسات (موسكو) أن عمر الجيل ظل ثابتاً عبر التاريخ البشري، بينما عمر التكنولوجيا بات أقصر بكثير ويتغير بوتيرة متسارعة، خاصة مع دخول الذكاء الاصطناعي الذي ضاعف سرعة هذا التغير. هذه الفجوة بين ثبات العمر البيولوجي للإنسان وتسارع عمر التكنولوجيا، انعكست بشكل مباشر على طبيعة الشهرة في العصر الرقمي، حيث لم يعد الإنسان قادرًا على استيعاب كل هذا الكم المتسارع من التغيرات. وأشار الدكتور ملحم إلى أن سرعة انتشار المعلومة في الوسط الاجتماعي تفوقت كثيراً على سرعتها في الوسط البيولوجي. هذه السرعة الهائلة أسهمت في إنتاج نمط من الشهرة يقوم على الاستهلاك الفوري للمحتوى، ما يجعل الشهرة قصيرة الأمد، سطحية في مضمونها، وأحياناً ضارة بالشخص الذي يكتسبها وبالمجتمع الذي يتأثر بها. ولفت الدكتور ملحم إلى ضرورة الحفاظ على القيم الأساسية التي قامت عليها البشرية، وإعادة صياغة وعي الشعوب بما يتلاءم مع أسئلة الحرية والكرامة الإنسانية. فالوسط الرقمي، رغم ما يحمله من فرص، قد يتحول إلى وسط جائر على الإنسان إذا لم يُحسن توجيهه، إذ يقدم للإنسان إغراءات الشهرة والانتشار، لكنه في الوقت ذاته يستنزفه ويضعه تحت ضغوط نفسية واجتماعية قاسية.
أما الدكتور ميثاق بيات الضيفي رئيس مؤسسة BRCالعملية الدولية وأستاذ بجامعة تكريت (العراق)، فأكد أن الواقع الحالي يشهد زمن التفاهة، حيث يُنظر إلى المؤثرين الرقميين أحيانًا على أنهم طفيليات تمتص عقول الشباب، وتملأها بالفراغ والانحطاط. ومن بين ممارسات هؤلاء: من يصور فضيحته الشخصية لزيادة عدد المتابعين أو يملأ الشاشات بالصراخ والضجيج، لا يمكن اعتباره إعلامياً، بل مجرد مهرج يسعى للشهرة بأي ثمن. وأشار الدكتور الضيفي إلى دور الإعلام التقليدي في تفاقم المشكلة، إذ منح هؤلاء المؤثرين الشرعية وألقاباً فارغة، وأصبح بذلك شريكًا جزئيًا في الجريمة الاجتماعية ضد القيم والوعي الجمعي، بدلًا من حماية وعي الجمهور. كما شدّد الدكتور الضيفي على أن المؤثرين الرقميين ليسوا تعبيراً عن حرية شخصية، بل وباءً منظماً يوجه طاقات الشباب نحو السطحية. بدلاً من تشجيعهم على أن يصبحوا خلف كاميرات المؤثر التافه، يجب أن يُحفَّزوا ليصبحوا فلاسفة، مخترعين، ومعلمين حقيقيين. ومن هنا جاءت دعوته لفضح الانحطاط الفكري والأخلاقي لهؤلاء المؤثرين، ورفع صوت “كفى” ضد التفاهة الرقمية، مع التأكيد على أن المعلم الحقيقي هو المؤثر الحقيقي الذي يترك أثراً إيجابياً وبنّاءً في المجتمع.
قدمت الدكتورة جميلة جابر بور يعقوب من جامعة الخرطوم (السودان)، مداخلة علمية تناولت فيها ظاهرة الاستهلاك الرقمي باعتبارها إحدى أبرز سمات العصر الرقمي الراهن. وأوضحت الدكتورة يعقوب أن الاستهلاك الرقمي أصبح جزءاً من حياتنا اليومية، إذ يتيح الوصول السريع إلى المعلومات الترفيهية والمعرفية، كما يفتح المجال أمام التواصل المباشر والمستمر بين الأفراد. وتشمل هذه الثقافة جميع أشكال المحتوى الرقمي من نصوص وصور وفيديوهات، وهي تتأثر بشكل كبير بوسائل التواصل الاجتماعي. وأكدت الدكتورة يعقوب أن المؤثرين يلعبون دوراً محورياً في توجيه اهتمامات الجمهور وصياغة اتجاهاته، حيث لم يعد معيار التقييم هو القيمة الفكرية للمحتوى، بل مدى الانتشار وعدد المتابعات والمشاهدات. وهنا يظهر أثر السوشيال ميديا في صناعة نجوم بلا مضمون. وقارنت الدكتورة يعقوب بين الاستهلاك التقليدي والرقمي، مبيّنة أن الاستهلاك الرقمي يتميز بالوصول السهل، والانتشار السريع، وانخفاض الكلفة. وترتبط هذه السمات بعوامل عدة، أبرزها التطور التكنولوجي، وانتشار الإنترنت السريع، والتسويق الإلكتروني. وأشارت الدكتورة يعقوب إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تمنح الأفراد فرصة الوصول إلى الشهرة بسرعة كبيرة، سواء عبر نشر محتوى قصير أو حتى من خلال الرد على التعليقات. وهذه الشهرة لها آثار إيجابية، مثل نشر رسائل توعوية أو الترويج التجاري، لكنها في المقابل قد تحمل سلبيات بارزة، مثل الضغوط النفسية الناتجة عن السعي وراء التفاعل، والتركيز على الشكل على حساب المضمون. وخلصت الدكتورة يعقوب إلى أن ظاهرة صناعة “نجوم بلا مضمون” تعكس تحدياً ثقافياً ومعرفياً في ظل عصر الرقمنة، وهو ما يستدعي وعياً نقدياً أعمق عند المتلقي، وتشجيعاً لإنتاج محتوى رقمي جاد وهادف. وأكدت أن بناء ثقافة استهلاك رقمي متوازنة يتطلب تعزيز قيمة المعرفة والمضمون، حتى تتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى فضاءات للبناء والإبداع، لا مجرد منصات للاستهلاك السطحي.
كما قدمت الأستاذة الدكتورة أمل سعد من كلية الإعلام في جامعة المنصورة (مصر)، مداخلة ركزت فيها على أهمية الوعي بأخلاقيات التعامل مع الواقع الافتراضي وتنظيم استخدام الوسائط الرقمية لضمان الاستخدام المسؤول وتقليل الفوضى في المجال الرقمي. وأوضحت الدكتورة سعد أن أخلاقيات الواقع الافتراضي تتعلق بالتمييز بين ما هو مرغوب في المجتمع وما هو غير مرغوب، مؤكدة أن الوسائل الرقمية لها حقوق يجب احترامها عند نشر المحتوى أو التفاعل ضمن هذه المنصات. وأضافت أن أي رسالة إعلامية موجهة إلى الجمهور يجب أن تراعي مظهرها و طرق تقديمها، وتستند إلى المصداقية من خلال ذكر المصدر الحقيقي ووقت النشر، لضمان وصول الرسالة بشكل مسؤول وفعّال. وتطرقت الدكتورة سعد إلى أبجديات النشر في المجال العام مشددة على تجنب الجري وراء الإثارة، مثل نشر تفاصيل القتل بعد وقوعه، أو أسماء الضحايا، أو أسماء النساء في قضايا العنف، لما لذلك من أثر سلبي على الأفراد والمجتمع. وأكدت أن احترام القواعد الأخلاقية في الوسائط الجماهيرية يجب أن يكون دائماً أمام عين صانع المحتوى، لضمان تقديم رسائل إعلامية متوازنة وهادفة. وأشارت الدكتورة سعد إلى أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي جلب معه مستخدمين جدد لا نعرف خلفياتهم الدراسية أو انتماءاتهم أو هوياتهم، ما أدى في بعض الأحيان إلى انفلات الوسيلة على حساب السمعة و المضمون، وأوضحت أن بعض الأفراد يركضون وراء الشهرة أو التفاعل السريع، مع التركيز على الشكل دون النظر إلى المحتوى أو القيمة الفعلية للرسالة، كما أن الدافع المادي يعد أحد العوامل التي تدفع البعض للتضحية بالمضمون من أجل الشهرة أو الربح. وشددت الدكتورة سعد على أن إدراك أخلاقيات الواقع الافتراضي والالتزام بالقواعد الإعلامية يمثلان ركناً أساسياً لضمان استخدام الوسائل الرقمية بشكل مسؤول. وأكدت أن التركيز يجب أن يكون على المضمون والرسالة الهادفة، وليس على الشهرة أو المكاسب المادية، مع أهمية تعزيز التدريب والوعي لدى صانعي المحتوى لضمان المصداقية والاحترافية في العمل الإعلامي.
كما قدمت الأستاذة الدكتورة سعدية عيسى إسماعيل دهب من جامعة السودان مداخلة مهمة حول مفهوم الإقصاء بالقوة الناعمة، موضحةً كيف يمكن استخدام الشهرة كأداة لتكريس الفجوة الطبقية في المجتمعات. وأكدت الدكتورة دهب أن القوة الناعمة، كما صاغها جوزيف ناي من جامعة هارفرد، هي القدرة على الجذب والإقناع دون استخدام الإكراه أو القوة المباشرة، وتستند إلى التأثير على الرأي العام والسلوك الاجتماعي من خلال وسائل أقل شفافية، مثل الإعلام والثقافة والرمزية. وأشارت الدكتورة دهب إلى أن الشهرة، عند توظيفها ضمن استراتيجيات القوة الناعمة، يمكن أن تصبح وسيلة لتوجيه الرأي العام وتشكيل التصورات الاجتماعية بما يعزز التمييز الطبقي. فهي تعمل على خلق نموذج اجتماعي يربط القيم والنجاح بالطبقات الاجتماعية العليا، ما يؤدي إلى تعزيز شعور التباين بين فئات المجتمع المختلفة. كما شددت الدكتورة دهب على أن هذا النوع من التأثير غالباً ما يكون خفياً وغير مباشر، لكنه قادر على إحداث تغييرات جوهرية في السلوكيات والقيم الاجتماعية، وبالتالي يصبح أداة فعالة في تعميق الفجوات الطبقية وإضعاف فرص التكافؤ الاجتماعي. تطرقت الدكتورة دهب أيضًا إلى مهارات القوة الناعمة، والتي تشمل: التواصل، الإقناع، القيادة، التحفيز الذاتي، والمسؤولية. وأوضحت أن المهارات الناعمة هي قدرات ذاتية للفرد أو الجماعة تمكنهم من التواصل والتأثير بشكل فاعل. وتطرقت الدكتورة دهب كذلك إلى معايير القوة الناعمة، محددة ثلاثة محاور رئيسية:
1-المصادر الثقافية، التي تعكس تاريخ وهوية المجتمعات وقيمها.
2-القيمة السياسية، المرتبطة بالقدرة على التأثير في السياسات الوطنية والاجتماعية.
3-سباق السياسات الخارجية، الذي يظهر قدرة الدول والمؤسسات على استخدام القوة الناعمة لتحقيق مصالحها على المستوى الدولي.
وأكدت الدكتورة دهب أن الهدف الأساسي للقوة الناعمة هو تجسيد الأفكار والمبادئ والأخلاق، من خلال الدعم في مجالات حقوق الإنسان، البنية التحتية، والثقافة. وأوضحت أن الشهرة غالباً ما تُستخدم للترويج للقيم والمبادئ، وتعزيز الهوية الطبقية للأفراد، واستبعاد الأصوات البديلة لأولئك الذين لا يمتلكون النفوذ أو الشهرة. كما أشارت إلى أن القوة الناعمة تُستخدم أيضًا للتأثير في الثقافة الشعبية، لتشكيل الوعي الاجتماعي والسياسي بما يخدم مصالح محددة.
كما قدمت الدكتورة سليمة بن مخلوف، وهي أستاذة محاضرة بكلية الآداب-قسم الفنون من جامعة سيدي بالعباس (الجزائر)، مداخلة متميزة تناولت فيها تأثير التحولات الرقمية المعاصرة على وسائل التواصل والإعلام، مشيرة إلى أن الصورة أصبحت اليوم الوسيلة الأكثر سيطرة على الوعي الجماعي، حيث تتحكم في تشكيل الإدراك العام وتوجيه الانتباه والمشاعر. وأكدت أن العمل التشكيلي يمتلك لغة بصرية فريدة، لا تقتصر على مواجهة منطق الصورة السائد والمبتذل فقط، بل يسعى إلى تقديم بدائل خطابية تمكن المشاهد من استعادة القيمة والمعنى في زمن يهيمن عليه منطق الخوارزميات والتقنيات الرقمية. كما شددت على قدرة الفن البصري على مقاومة التماثل الإعلامي وإعادة تشكيل تجربة المشاهدة بطريقة نقدية وواعية، بما يعزز البعد الإنساني والفكري في مواجهة التدفق الهائل للمعلومات والصور الرقمية. كما طرحت الدكتورة بن مخلوف تساؤلات حول مصيرها في عصر الصورة السريعة الانتشار، مشيرة إلى أن الشهرة غالباً ما تُقاس بسرعة الانتشار الفوري، لكنها تفتقر إلى العمق، وهو ما يمثل خطورة على المجتمع حين تتحول الصورة إلى قناع هش يؤثر على القيم الثقافية والاجتماعية. وأكدت على قدرة الفن التشكيلي على إعادة الصورة إلى دورها كأداة للتفكير النقدي والمقاومة الثقافية، مما يعيد الاعتبار للمعنى والقيم في مواجهة السطحية التي تفرضها الشهرة الرقمية. كما عرضت الدكتورة بن مخلوف استراتيجيات الفن التشكيلي لتقويض ثقافة الصورة التافهة وفضح بنيتها الوهمية، موضحة ثلاث استراتيجيات رئيسية:
1-المفارقة والسخرية: تُستخدم لفضح هشاشة الصورة السطحية وكشف زيفها، مما يسمح للمشاهد بإعادة النظر في الرسائل البصرية السائدة.
2-إعادة تدوير الرموز: كالفنانة باربرا غروغو التي توظف صوراً مألوفة من وسائل الإعلام وتضيف إليها شعارات قوية ومثيرة للتفكير، غالباً بصيغة استفهامية أو أمرية باللون الأبيض على خلفية حمراء، مثل شعار “أنا أتسوق، إذن أنا موجود”، لتحويل الصورة إلى أداة نقدية تنبه المشاهد إلى الانحرافات الثقافية والاجتماعية.
3-التشويه الجمالي: حيث يُحوَّل الشكل المثالي للصورة إلى شكل مشوه، مما يكسر البنية المثالية للصورة ويتيح للمشاهد استكشاف طبقات جديدة من المعنى وتحدي القوالب الجاهزة. وختمت الدكتورة بن مخلوف أن هذه الاستراتيجيات تمنح الفن التشكيلي القدرة على إعادة الصورة إلى دورها الحقيقي كأداة للتفكير النقدي والمقاومة الثقافية، بما يسهم في حماية القيم الثقافية والاجتماعية من الانحرافات الناتجة عن هيمنة الشهرة السطحية وانتشار الصور الرقمية بسرعة، ويؤكد الدور الحيوي للفن في زمن التحولات الرقمية المعاصرة.
أشارت الدكتورة سحر محمد محمد حسن الأخصائية في التخاطب والاستشارات النفسية (السودان)، أن مرحلة المراهقة تُعد من أهم المحطات العمرية في حياة الإنسان، إذ يتشكل خلالها الوعي بالذات والآخرين، وتُبنى فيها ملامح الهوية الشخصية والاجتماعية. وهي مرحلة حساسة يعيش فيها المراهق صراعاً داخلياً بين التعلق بالقدوات الممسوخة التي فرضها واقع الشهرة السريعة، وبين بحثه عن القدوة الأصيلة التي يمكن أن تمنحه المعنى والاتزان. وأوضحت أن ظاهرة الشهرة السريعة في زمن الإعلام الجديد صنعت قدوات هشة تفتقر إلى القيمة الحقيقية، لكنها استطاعت أن تحقق جماهيرية واسعة بالاعتماد على المظاهر والرفاهية والمحتوى الاستعراضي. وقد أدى ذلك إلى بروز نماذج مضللة بعيدة عن المعنى الحقيقي للنجاح والقدوة. كما تناولت الدكتورة حسن الآثار السلبية لهذه الظاهرة، والتي تتجلى في:
1-تشويه مفهوم النجاح وحصره في المظاهر الخارجية.
2-إضعاف الانتماء إلى القيم الأصلية.
3-انتشار التقليد الأعمى على حساب بناء شخصية مستقلة وواعية.
كما أدخلت الدكتورة حسن مصطلح “النموذج الغائب”، مشيرة إلى أن غياب القدوات الأصيلة يعود إلى ضعف التغطية الإعلامية الهادئة، وتراجع دور المدرسة، إضافة إلى قصور المؤسسات التربوية في تقديم نماذج إيجابية قادرة على الإلهام والتوجيه. واختتمت مداخلتها بالتأكيد على أن الحل يتمثل في إعادة التوازن، عبر إبراز القدوات الإيجابية وتعزيز المناعة الفكرية والقيمية لدى المراهقين، بما يضمن تكوين هوية مستقرة وصحية، قادرة على مواجهة تحديات المرحلة العمرية ومؤثرات العصر.
تناولت الدكتورة رنيم شكري، وهي طبيبة من السودان، في مداخلتها إحدى القضايا الجوهرية التي تميز عصرنا الراهن، وهي ظاهرة اللايقين المعرفي. إذ أشارت إلى أن التحدي في عصر الانفجار المعلوماتي لم يعد مرتبطاً بندرة المعرفة، وإنما بفيضها وفسادها، وهو ما جعل عملية التمييز بين الحقيقة والزيف أكثر صعوبة وتعقيداً. وفي هذا السياق، برزت الشهرة الزائفة كأحد أخطر التحديات التي تهدد النسيج الثقافي والفكري، لما تحمله من انعكاسات سلبية على منظومة القيم والمعايير. وأوضحت الدكتورة شكري أن للشهرة الزائفة مصادر عدة، أبرزها:
1-منصات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك” و”إنستغرام” التي أصبحت ساحات رئيسية لتصدير الرموز السطحية.
2-ثقافة التريند والفضائح التي تدفع باتجاه الاهتمام بما يثير الجدل أكثر من الاهتمام بما يحمل قيمة.
3-انهيار دور المؤسسات التقليدية كالإعلام الرصين والهيئات الأكاديمية والثقافية، مما فسح المجال لتصدّر شخصيات غير مؤهلة.
وبيّنت الدكتورة شكري أن خطورة الشهرة الزائفة تكمن في آلياتها المتعددة التي تؤدي إلى إضعاف البنية الثقافية والفكرية للمجتمعات، ومن أبرزها:
1-استبدال المعايير من الجودة والعمق إلى الشعبوية والانتشار.
2-تشويه مفهومي العالم والمعرفة من خلال تقديم أشخاص بلا خبرة أو علم كمرجعيات.
3-تقويض القيم الثقافية الأصيلة وإضعاف مكانتها أمام قيم دخيلة سطحية.
4-خلق قطيعة بين الأجيال نتيجة اختلاف المرجعيات الرمزية وصعوبة التلاقي حول قدوات حقيقية.
وخلصت الدكتورة شكري إلى أن الشهرة الزائفة ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي خطر حقيقي يهاجم القيم المعرفية والثقافية للمجتمع، ويهدد أصالة الفكر وعمق الثقافة. ولمواجهة هذا التحدي، أوصت بضرورة تعزيز التربية الإعلامية بما يرسخ مهارات التمحيص والوعي النقدي لدى الأفراد، وإعادة الاعتبار للمؤسسات الرصينة في الإعلام والتعليم والثقافة و تبني التواضع المعرفي كقيمة أساسية تتيح مكافأة الجودة والعمق على حساب السطحية والانتشار.
تناولت الباحثة مروى ياسر صيوان، وهي مدرس مساعد في كلية التربية للبنات-جامعة البصرة (العراق)، قضية مركزية تتعلق بعلاقة النساء بالاستهلاك الرقمي في ظل التطور التكنولوجي المتسارع وهيمنة الإعلام الاجتماعي. فقد جعلت هذه التحولات المرأة أكثر حضورا ً في المجال العام، ليس فقط بوصفها مستخدمة للمنصات، بل أيضاً كصانعة محتوى ومؤثرة ومستهلكة. ومن هذا المنطلق طرحت الباحثة تساؤلًا إشكاليًا:
هل يمثل هذا الحضور المكثف للمرأة تمكيناً حقيقياً، أم أنه شهرة مسمومة تحوّلها إلى أداة تسويقية تستنزف طاقتها وتقيّد حريتها؟
أشارت الأستاذة صيوان إلى أن الإعلام الاجتماعي جعل النساء في واجهة المشهد الرقمي، حيث أصبحن جزءاً من السوق الرقمية العابرة للحدود. فهن يساهمن في صناعة الرأي العام وتوجيه أنماط الاستهلاك، إلا أن هذا الحضور لم يخلُ من أبعاد إشكالية ترتبط بالاستغلال والتسليع. وأوضحت الأستاذة صيوان الآثار الإيجابية للشهرة حيث استفادت النساء من المنصات الرقمية في التعليم الذاتي وتوسيع معارفهن، استثمرت بعض النساء حضورهن الرقمي في النشاط الحقوقي والاجتماعي لنشر الوعي والدفاع عن قضايا المرأة. وفرت التكنولوجيا فرصاً اقتصادية جديدة عبر التجارة الإلكترونية والعمل الحر، ما منح النساء مجالًا أوسع للمشاركة الاقتصادية. على نقيض ذلك تحدثت الأستاذة صيوان عن الآثار السلبية للشهرة حيث تعرّض النساء لاستغلال اقتصادي من قبل الشركات والمنصات، إذ استفادت هذه الجهات من نشاطهن أكثر مما تستفدن منه شخصياً. وفرض الإعلام الاستهلاكي معايير صارمة للجمال والنجاح، ما شكّل ضغطاً نفسياً واجتماعياً على النساء. اختزال المرأة في صورة أداة تسويقية، مما يقيّد دورها الحقيقي كفاعل ثقافي واجتماعي. وأكدت الأستاذة صيوان أن الاستهلاك الرقمي يمثل سلاحاً ذا حدين بالنسبة للنساء: فهو من جهة يفتح المجال أمام التعليم، والتمكين، والمشاركة الاقتصادية، ومن جهة أخرى يكشف عن أبعاد استغلالية تعمّق الفجوة الاجتماعية وتكرّس تسليع المرأة. وهكذا فإن جوهر الإشكالية يكمن في أن الأداة الرقمية، بدل أن تكون وسيلة للتحرر، قد تتحول إلى أداة لإضاعة الطاقات وتقييد الحريات.
تناولت الدكتورة مكة عيسى إسماعيل من السودان دوافع السعي وراء الشهرة، مشيرة إلى أن أبرز هذه الدوافع تشمل الرغبة في الاعتراف والتقدير الشخصي، والسعي لتحقيق استفادة ذاتية، والبحث عن فرص مهنية أوسع، إضافة إلى المكاسب المالية المحتملة. وأوضحت أن فهم هذه الدوافع يسهم في تفسير تصرفات الأفراد في سياق السعي وراء الشهرة، ويعكس التوازن بين الطموح الشخصي والحوافز الاجتماعية والاقتصادية. كما ناقشت الدكتورة إسماعيل تأثيرات الشهرة على السلوك اليومي للأفراد، موضحة أن الانغماس في متابعة المشاهير يؤدي أحيانًا إلى استخدام مفرط للهاتف، والتركيز على المظاهر، وتقليد أنماط حياة المشاهير، بالإضافة إلى المقارنة المستمرة مع الآخرين، ما يؤثر على الإدراك الشخصي والسلوك الاجتماعي. ولم تقتصر مداخلتها على السلوكيات اليومية، بل تناولت أيضاً تأثير الشهرة على الهوية النفسية، مشيرة إلى أنها قد تؤدي إلى اضطراب الصورة الذاتية، وضعف الثقة بالنفس، وزيادة مستويات القلق والاكتئاب نتيجة المقارنات المستمرة مع الآخرين. وفي ختام مداخلتها، قدمت الدكتورة إسماعيل مجموعة من الحلول المقترحة للتخفيف من هذه التأثيرات، من أبرزها: تعزيز الوعي الإعلامي لدى الشباب، التركيز على القيم الداخلية مثل الإبداع والتفوق، تقديم نماذج بديلة من القدوات الواقعية، وبناء ثقافة متوازنة بين الواقع والتصورات المثالية. وأكدت أن هذه الإجراءات تساهم في تطوير وعي نقدي وتمكين الأفراد من التعامل مع ظاهرة الشهرة بشكل صحي ومتوازن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*المهندسة سارة ملحم – كاتبة صحفية، مهندسة في مجال تكنولوجيا المعلومات.
