إعداد الأستاذ علي ابراهيم*
شهدت شوارع المغرب مؤخراً خروج المئات من الشباب في مظاهرة حملت اسم “جيل زد 212″، حيث عبّر المشاركون عن مطالب اجتماعية واقتصادية ملحّة، في مقدمتها تحسين الأوضاع المعيشية، وتوسيع فرص العمل، وتعزيز مبادئ العدالة والمساواة. وتأتي هذه الموجة الاحتجاجية في إطار حراك شبابي متجدد يرى نفسه قادراً على رسم ملامح مستقبل البلاد، مستنداً إلى قوة الحضور الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي.
في هذا السياق، أكد إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، عبر قناة فرانس 24، في برنامج «الساعة المغاربية»، أن: “هذه المجموعات الشبابية نشأت في الفضاء الافتراضي لتعبر عن مطالب مشروعة، غير أنّ السلطات منعت التظاهرة بالقوة، ما أسفر عن اعتقالات في صفوف المحتجين”.
في المقابل، شدد المحامي والناشط الحقوقي فيصل أومرزوك، عبر نفس البرنامج، على أنّ “الحق في التظاهر السلمي مكفول دستورياً ومدعوم بالمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب”، مبرزاً أن “هذه الحركة لم تنشأ من جهة منظمة واضحة، بل ظهرت عبر قنوات غير تقليدية مثل تطبيق تيلغرام”.
إلا أن الخلاف في التقييم ظهر جلياً بين الضيفين؛ فبينما رأى السدراوي أن “المطالب عادلة وأن التظاهر وسيلة سلمية لتحقيقها، دون وجود أي أهداف خفية”، وأكد أن “مؤسسات الدولة الأمنية كفيلة بكشف أي تهديد محتمل”. في حين أشار أومرزوك إلى أن “الاعتراف بمشروعية المطالب لا ينفي وجود محاولات من أيادٍ خفية لاستغلال هذه التحركات ضمن ما يُعرف بحروب الجيل الخامس، مستهدفة زعزعة استقرار المغرب الذي يسير في طريق مشاريع تنموية كبرى”.
وعلى الرغم من تقاطع المواقف حول مشروعية المطالب الاجتماعية، فإن الاختلاف تركز حول طريقة تعاطي الحكومة مع هذه الحركة. فقد اعتبر أومرزوك أن “الأغلبية الحكومية أبدت موقفاً سلبياً غير متجاوب مع انتظارات الشباب”، داعياً إلى “قرارات جريئة تستجيب لمطالب المحتجين”. أما السدراوي، فقد وصف موقف الحكومة بأنه “إنشائي وخالٍ من إجراءات ملموسة على أرض الواقع”، مؤكداً أن ذلك “يعكس فشلها في إدارة الملف”، ومشدداً على “ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه الجميع: حكومة ومعارضة، أحزاب وجمعيات حقوقية، من أجل صياغة حلول مستدامة”.
إن مظاهرة “جيل زد 212” لم تكن مجرد حدث عابر في الشارع المغربي، بل رسالة قوية من جيل جديد يرفض الإقصاء والتهميش، ويطالب بكرامة معيشية وفرص متكافئة. وبينما تتباين المواقف حول خلفيات الحراك وطرق التعامل معه، تبقى الحاجة ملحّة إلى بناء جسور الثقة بين الشباب والدولة، عبر الحوار والتجاوب العملي مع المطالب المشروعة. فاستقرار المغرب ومستقبله يتوقفان، في النهاية، على إدماج طاقات شبابه في مشروع وطني شامل يضمن العدالة والتنمية للجميع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ علي ابراهيم – كاتب ومراسل صحفي
