إعداد الأستاذ علي ابراهيم*
تشهد الساحة السياسية الدولية حراكاً غير مسبوق مع طرح الإدارة الأمريكية مبادرة جديدة تهدف إلى إنهاء الحرب الدائرة في غزة، في ظل تصاعد الضغوط الدولية على جميع الأطراف، ولا سيما حركة حماس وإسرائيل. وبينما تتباين المواقف ما بين الترحيب الحذر والرفض الضمني، يبدو أن الخطة المطروحة تمثل نقطة تحول محتملة في مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الممتد منذ عقود.
في هذا الإطار، رأى عمرو الشوبكي، المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عبر قناة سكاي نيوز عربية في برنامج «غرفة الأخبار»، أن “التحول الكبير الذي حدث هذه المرة هو أن المجتمع الدولي برمته ضغط على الجميع، وهناك ضغوط كبيرة على حركة حماس، كما أن دولاً أوروبية ودولاً كانت حليفة لإسرائيل مارست ضغطاً على الإدارة الأمريكية وعلى إسرائيل لضرورة إيقاف هذه الحرب وهذه المجازر التي ترتكب”.
ويتابع الشوبكي موضحاً أن القضية الفلسطينية لم تعد محصورة في إطار النزاع بين حماس وإسرائيل، بل أصبحت “قضية تخص العالم العربي والإنسانية جمعاء”. ومن ثمّ، كان من الصعب على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تجاهل هذه التحولات، فبادر إلى طرح مقترحه بشأن غزة، الذي تضمن بنوداً وافق عليها معظم الأطراف. ويرجّح الشوبكي في ختام تحليله أن “تقبل حماس بالخطة حتى وإن كانت لديها بعض التحفظات عليها”.
من ناحية أخرى، يؤكد حسام الجني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، عبر نفس البرنامج، أن “الظرف الراهن لا يحتمل كثيراً من الكلام، فغزة تأنّ والواقع بالغ الصعوبة”. ويضيف أن الورقة الأمريكية “تحمل في طياتها مخاطر ينبغي تفسيرها من قبل الوسطاء، لا سيما أن التأييد الذي أبدته بعض الدول جاء في إطار ترحيب حذر”.
ويشير السيد الجني إلى أن موقف حماس بالغ التعقيد، إذ “ليس من السهل أن تقبل، وليس من السهل أن ترفض”، موضحاً أن البنود السياسية المتعلقة بالوصاية الدولية أو مفهوم الدولة المبهم ما زالت تثير القلق. إلى ذلك، يرى أن دور الوسطاء — المصري والقطري والتركي — “ليس ضاغطاً بقدر ما هو ناصح وموجّه”، في محاولة لتفادي مزيد من التصعيد.
في المقابل، أشار أكرم حسون، عضو الكنيست الإسرائيلي، في نفس الحوار، أن إسرائيل “دولة ديمقراطية، يحق لكل وزير أن يعبّر عن رأيه، غير أن القرار النهائي يعود إلى رئيس الحكومة وأغلبية أعضاء البرلمان”. وبيّن أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “أعطى كلمته باسم حكومة إسرائيل وباسم أغلبية المواطنين، معتبراً أن الخطة الأمريكية تاريخية وسلمية وقد تعيد الثقة بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي”.
ويرى حسون أن “حماس لا تملك مبرراً للرفض”، مشدداً على أن إسرائيل “تريد وقف إطلاق النار وتسعى إلى شرق أوسط جديد قائم على التفاهم”. كما أشار إلى أن قطر وتركيا ومصر ودولاً أوروبية أخرى تمارس ضغوطاً كبيرة على حماس، مؤكداً أن رفضها “سيؤدي إلى تدمير أحلام الفلسطينيين، وخاصة في غزة”.
وبذلك، يبدو أن الجانب الإسرائيلي يحاول إظهار التزامه السياسي أمام المجتمع الدولي، في حين يضع الكرة في ملعب حماس لتحمّل مسؤولية القرار.
وفي السياق ذاته، يرى روبرت رابيل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أتلانتيك الأمريكية، أن “الخطة الأمريكية هي الأهم منذ سنوات، كونها ستخلص الشعب الفلسطيني من المأساة التي تسببت بها حماس”، مشيراً إلى أن الرئيس ترامب “سيشرف على تنفيذ الاتفاق بنفسه لضمان تطبيقه الفعلي”.
ويضيف رابيل أن جوهر المبادرة يتمثل في “تجريد حماس من دورها بشكل كامل، ونزع سلاحها، وتدمير بنيتها التحتية”، لافتاً إلى أن ترامب “نفى فكرة ضم الضفة الغربية وغزة، الأمر الذي قد يمهّد للاعتراف بالدولة الفلسطينية في مرحلة لاحقة”. وعليه، يرى رابيل أن” الخطة تمثل فرصة نادرة لتصحيح المسار السياسي في المنطقة، شرط أن تلتزم الأطراف بتطبيقها بحسن نية”.
ختاماً، يتضح أن المبادرة الأمريكية الجديدة باتت تمثل اختباراً حقيقياً لإرادة الأطراف كافة؛ فبينما يراها البعض بوابة نحو سلام تاريخي، يعتبرها آخرون مغامرة سياسية محفوفة بالمخاطر. غير أن المؤكد هو أن الضغوط الدولية، وتفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة، قد يجعلان من القبول بالمبادرة خياراً لا مفر منه. ويبقى السؤال قائماً: هل ستكون هذه الخطوة بداية مرحلة جديدة في مسار التسوية، أم ستلحق بمصير المبادرات التي سبقتها إلى طيّ النسيان؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ علي ابراهيم – كاتب ومراسل صحفي
