بقلم الأستاذ محمد رزق محمد والأستاذة أسماء أحمد عبد المنعم*
تعد ظاهرة التغير المناخي من أهم الظواهر التي تؤثر بشكل متزايد على الأمن البشري لما تحدثه من تغيرات في جميع نواحي الحياة على شتى بقاع الأرض، وتعود جذور تلك الظاهرة منذ بداية الثورة الصناعية في أوروبا في منتصف القرن ال 18 م حتي منتصف القرن الـ 20 م. في هذه المرحلة بدأ الإنسان بحرق الوقود الأحفوري (الفحم والبترول) لإستخدامه في وسائل النقل والإعتماد عليه في إدارة المصانع من أجل دفع عجلة التنمية الإقتصادية داخل الدول الأوروبية. ونتيجة لتلك الحقبة الزمنية حدث اختلال في التوازن البيئي بسبب زيادة كمية الإنبعاثات الناتجة عن الإستخدام المفرط لمصادر الطاقة الأحفورية غير المتجددة حيث يُعتبر الفحم من أكثر مصادر الطاقة غير المتجددة تلويثاً للبيئة.
التغير المناخي يُمثل تلك التغيرات التي تحدث على المدى الزمني الطويل في درجات الحرارة وأشكال الطقس اليومية. وترجع تلك التغيرات إلى أسباب طبيعية وبشرية. الأسباب الطبيعية قد تكون بسبب حدوث تغيرات في نشاط الشمس أو الإنفجارات البركانية الكبيرة التي تحدث في باطن القشرة الأرضية، بينما الأسباب البشرية تكمن في النشاط البشري منذ القرن 18 م بسبب اعتماد الإنسان علي مصادر الطاقة غير المتجددة مثل الفحم والبترول والغاز الطبيعي.
ونتيجة للعمل البشري في استخراج الوقود الأحفوري، للإعتماد عليه في إدارة المصانع ودفع عجلة التنمية الإقتصادية، أدى ذلك إلي زيادة الإنبعاثات الغازية التي أدت إلى ظهور ظاهرة الإحتباس الحراري، مما تسبب في حبس حرارة الشمس في الغلاف الجوي وارتفاع ملحوظ في درجة حرارة الكرة الأرضية، بسبب دوران تلك الغازات حول الغلاف الجوي. أهم الغازات المنبعثة: غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان، وتنتج هذه الغازات عن الأنشطة البشرية مثل استخدام البنزين والسولار في قيادة السيارات أو تشغيل المصانع أو استخدام الفحم في تدفئة المنازل قديماً أو الإعتماد عليه كمصدر لتشغيل القطارات.
فالسبب الأساسي لحدوث تغيرات مناخية هو الأنشطة البشرية، إذ أدى النشاط الصناعي إلى حدوث اختلال في التوازن البيئي. من مظاهر التدخل البشري في البيئة المحيطة: عمليات التعدين والتنقيب عن المعادن، والقطع الجائر للأشجار في الغابات، والصيد الجائر للطيور والحيوانات البرية، والإفراط في استخدام الأسمدة والمبيدات الكيميائية.
من الأمثلة التي تدل علي شدة تأثير الأنشطة البشرية علي البيئة: غزو الأرانب أستراليا في منتصف القرن الـ 19 م، إذ تكاثرت بشكل كبير، فقام الإستراليون بقطع الغابات التي تعد مصدر غذاء تلك الأرانب، فهلكت أعداد كبيرة منها، وهلك معها عدد كبير من الكائنات الحية التي كانت تعتمد علي الغابات، الأمر الذي أدى إلى تراجع امتصاص ثاني أكسيد الكربون في الجو وبالتالي ارتفاع درجات الحرارة.
لكن الأخطر على الكرة الأرضية هو بدء ذوبان الجليد القطبي؛ فالنظام بيئى هو منظومة متكاملة مع بعضها البعض وهناك توازن بيئي قائم، فجميع البيئات تؤثر كل منها في الآخر. ومن المرجح أن يؤدي ذوبان الجليد القطبي إلى فيضانات على بعض الشواطئ وبالتالي إغراق الكثير من المدن، إضافة إلى حدوث حرائق في الغابات الأمر سيؤدي إلي موت ملايين الحيوانات والنباتات الطبيعية، وهذا سيضر بالتنوع البيولوجي في الكرة الأرضية. كما أن الإرتفاع الشديد في درجات الحرارة قد يؤدي إلى الجفاف الشديدة في بعض الدول. فضلاً عن ذلك، فقد تؤدي التغيرات المناخية إلى حدوث السيول والأعاصير المدمرة.
للتغير المناخي تداعيات سلبية على الحياة اليومية أيضاً، كالأمن المائي والغذائي والصحة والبيئة والأمن البشري، الأمر الذي قد يؤدي إلى الهجرة الداخلية و الخارجية.
انعدام الأمن المائي والغذائي قد يقود إلى صراعات مسلحة، كما حدث في مالي والصومال، حيث أدى ارتفاع درجات الحرارة إلي حدوث جفاف في الأراضي الرعوية وتآكل التربة الزراعية وشح المياه وانتشار التصحر في كافة الأراضي الزراعية، كل ذلك أدى إلي إضعاف الدولتين مما ساهم في نزوح أعداد كبيرة من السكان إلى الدول المجاورة وانتشار الجوع.
علاوة على ما سبق، يترتب على ذوبان الجليد ارتفاع منسوب مياه البحر، وبالتالي تآكل الشواطئ، مما يضر بالمصائد السمكية التي تعتمد عليها بعض الدول كمصدر أساسي للغذاء، وبالتالي انتشار المجاعات في الدول الساحلية.
وقد تؤدي التغيرات المناخية إلى الهجرات الإجبارية بسبب المناخ المتطرف، ومن أهم هذه الظواهر: هطول الأمطار الغزيرة والجفاف والتصحر والتدهور البيئي والأعاصير. في العقود الأخيرة نزح ملايين الأشخاص بسبب الفيضانات المدمرة التي حدثت في باكستان والكونغو الديمقراطية، وبسبب الجفاف في أفغانستان وجزيرة مدغشقر.
من الظواهر المثيرة للقلق في المستقبل هي ظاهرة اختفاء بعض المدن الساحلية وبعض الجزر، خاصة الجزر الواقعة في المحيط الهادي حيث يرتفع منسوب مياه البحر كل عام. من أبرز المدن المهددة بالإختفاء بحلول عام 2100 هي دولة (توفالو) الواقعة على جزيرة في المحيط الهادي، فإذا لم يتم إتخاذ قرار حاسم تجاه فسوف يضطر سكان تلك المنطقة إلى الهجرة إلى أماكن أخري.
ومن التداعيات السلبية للتغير المناخي هي زيادة معدلات الفقر في بعض الدول التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على الزراعة وصيد الأسماك. في بعض الدول النامية يرتكز الاقتصاد على الزراعة والصيد والغابات. يقدر البنك الدولي أنه في حلول 2030 سوف يقع ما بين 68 إلي حوالي 135 مليون شخص في دائرة الفقر بسبب التغير المناخي.
ختاماً، يجب أن تتكاتف الجهود الدولية للدفع نحو اتباع نهج التنمية المستدامة للحفاظ على التوازن البيئي وتقليص الآثار السلبية للتدخل البشري في النظام البيئي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ محمد رزق محمد-خريج اقتصاد وعلوم سياسية
*الأستاذة أسماء أحمد عبد المنعم-طالبة في قسم التاريخ (كلية العلوم الإنسانية).
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز JSM وإنما تعبّر عن رأي كاتبها حصراً
