بقلم الأستاذ عبد الرحمن محمد محمد غزالة*
يُعد نصر أكتوبر 1973 مرحلة فاصلة في تاريخ مصر المعاصر، إذ لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل كان نقطة تحول كبيرة في مسار التنمية السياسية وبناء الدولة الحديثة. فقد ساهم هذا النصر في تعزيز الثقة بالنفس لدى الشعب المصري والقيادة السياسية، ومهّد الطريق لبدء مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي وإعادة بناء المؤسسات.
أدركت القيادة السياسية، وعلى رأسها الرئيس أنور السادات، أن النصر العسكري يجب أن يتبعه نصر سياسي، لذلك بدأ العمل على تجهيز الجبهة الداخلية وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية. ومع منتصف السبعينيات، وخاصة عام 1976، ظهرت الحاجة إلى تعدد المنابر السياسية تمهيدًا لإحياء الحياة الحزبية بعد سنوات من الجمود في ظل نظام التنظيم الواحد.
فقام السادات بتحويل الاتحاد الاشتراكي العربي إلى ثلاث منابر سياسية تمثل الاتجاهات المختلفة في المجتمع المصري:
1-منبر اليمين: الذي تحول لاحقًا إلى حزب الأحرار الاشتراكيين.
2-منبر الوسط: الذي أصبح حزب مصر العربي الاشتراكي.
3-منبر اليسار: الذي تطور إلى حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.
وفي ظل هذا التطور، تم إقرار دستور 1971 الذي أرسى مبادئ الديمقراطية النيابية والفصل بين السلطات، مستندًا إلى الأسس المتبعة في النظم الديمقراطية الغربية، لكنه حافظ في الوقت ذاته على الخصوصية المصرية.
كل هذه الخطوات كانت نتيجة مباشرة للمناخ الوطني الإيجابي الذي أوجده نصر أكتوبر، حيث شعر المصريون بأنهم قادرون على التحول من مرحلة الصراع العسكري إلى البناء والتنمية السياسية، مما جعل النصر نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة من الإصلاح والانفتاح السياسي.
أثر نصر أكتوبر في تعزيز الهوية الوطنية والشرعية السياسية
برزت فكرة الهوية المصرية بشكل واضح خلال حرب أكتوبر وما تلاها من أحداث، حيث توحّد الشعب المصري بمختلف فئاته وطوائفه واتجاهاته خلف القيادة السياسية من أجل استرداد الأراضي المحتلة عام 1967. وقد عبّر هذا التلاحم عن عمق الانتماء الوطني ووحدة الهدف، فكانت الحرب مناسبة لإحياء الشعور بالهوية المصرية الأصيلة التي تتجاوز الفوارق الطبقية والدينية والاجتماعية.
أما من حيث الشرعية السياسية، فقد اكتسب الرئيس أنور السادات شرعية قوية بعد نصر أكتوبر، إذ رآه الشعب قائد النصر وصانع السلام، ومنحه لقب “بطل الحرب والسلام”. وقد أصبحت هذه الشرعية الشعبية أحد أهم ركائز استقرار النظام السياسي في تلك المرحلة، حيث دعم الشعب توجهاته السياسية وخياراته في السلام وإعادة بناء الدولة.
وفيما يتعلق بمسألة الانتماء الوطني، لم تظهر خلال الحرب أي بوادر انقسام أو ضعف في الولاء للوطن. بل على العكس، فقد شارك أبناء جميع المناطق، بما فيهم بدو سيناء، في دعم الجيش المصري وتقديم المساعدة والمعلومات أثناء العمليات العسكرية في الأراضي المحتلة، مما أكد عمق ارتباطهم بالأرض المصرية وإخلاصهم للوطن الأم.
ولا يمكن الحديث عن نصر أكتوبر دون الإشارة إلى بطولات الجيش المصري، التي كانت الأساس الحقيقي لتحقيق النصر. فقد جسدت تلك البطولات أسمى معاني التضحية والفداء، مثل ما رواه اللواء نبيل علي الذي ذكر أنه حمل جثمان أحد زملائه لمسافة 14 كيلومترًا في سبيل ألا يتركه خلف خطوط العدو، وهو مثال مؤثر على الوفاء والانتماء والإصرار المصري على النصر مهما كانت التضحيات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ عبدالرحمن غزالة – كاتب وباحث سياسي.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز JSM وإنما تعبّر عن رأي كاتبها حصراً
