بقلم الدكتورة فاطمة الزهراء مسعودي و الدكتور سرايش صدام حسين*
إشراف الدكتور بوشيخي بوحوص*
في عالم تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي بشكل غير مسبوق، أصبح الذكاء الاصطناعي والرقمنة محرّكَين أساسيين للتغيير في مختلف القطاعات، ومن أبرزها قطاع الأمن القومي. فكيف أسهمت هذه التقنيات الناشئة في إعادة تشكيل مفهوم الأمن القومي وتعزيزه في العصر الحديث؟
تحول جذري في منظومة الأمن القومي
لم يعد الأمن القومي مقتصراً على حماية الحدود الجغرافية وتأمين المنشآت الحيوية فحسب، بل امتدّ ليشمل الفضاء السيبراني والبنية التحتية الرقمية التي أصبحت تشكل عصب الاقتصاد والخدمات الحكومية والمدنية. ومع انتقال الدول إلى الحكومات الإلكترونية وانتشار المدن الذكية، أصبحت الحاجة إلى تطوير استراتيجيات أمنية متطورة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
يقول الدكتور محمد العمري، خبير الأمن السيبراني: “نحن نعيش في عصر أصبحت فيه المعلومات أثمن من النفط، وباتت الهجمات الإلكترونية تشكل تهديداً للأمن القومي يوازي التهديدات العسكرية التقليدية”.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن القومي
1-الاستخبارات والتحليل المتقدم للبيانات
تستخدم أجهزة الاستخبارات حول العالم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة فائقتَين. وباستخدام خوارزميات التعلم الآلي، يمكن تحديد الأنماط والاتجاهات التي قد تشير إلى تهديدات محتملة، مما يساعد في الكشف المبكر عن المخاطر الأمنية قبل وقوعها.
2-مراقبة الحدود والمنشآت الحيوية
أسهمت تقنيات الذكاء الاصطناعي وأنظمة المراقبة المتطورة في تعزيز أمن الحدود والمنشآت الحيوية من خلال أنظمة التعرُّف على الوجوه، وكشف السلوكيات المشبوهة، وتحليل حركة المرور. وتستطيع الطائرات من دون طيار المزودة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي مراقبةَ مساحات شاسعة بكفاءة عالية، مما يقلل من الاعتماد على العنصر البشري.
3-مكافحة الإرهاب والجريمة المنظّمة
تلعب الرقمنة والذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في تتبع التنظيمات الإرهابية والإجرامية عبر الإنترنت، وتحليل اتصالاتهم، والتنبُّؤ بنشاطاتهم المحتملة. ولقد نجحت العديد من الدول في إحباط هجمات إرهابية باستخدام أنظمة استباقية تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
4-الأمن السيبراني والدفاع الإلكتروني
مع تزايد الهجمات السيبرانية على البنى التحتية الحيوية، أصبحت أنظمة الدفاع المعتمدة على الذكاء الاصطناعي ضرورة لا غنىً عنها. فهذه الأنظمة قادرة على اكتشاف التهديدات والاستجابة لها في الوقت الفعلي، وتحليل سلوك المتسللين، وسد الثغرات الأمنية بشكل استباقي.
تحديات وإشكاليات أخلاقية
رغم الفوائد الكبيرة التي تقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن القومي، إلا أنها تثير تحديات وإشكاليات أخلاقية وقانونية، منها:
-الخصوصية وحقوق الإنسان: يثير استخدام أنظمة المراقبة الذكية مخاوف تتعلق بانتهاك خصوصية المواطنين وحرياتهم الأساسية.
-السباق التسلحي الرقمي: تتسابق الدول لتطوير قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي، مما قد يؤدي إلى توترات دولية وصراعات جديدة.
-الاعتماد المفرط على التكنولوجيا: قد يؤدي الاعتماد الكبير على الأنظمة الآلية إلى ضعف في تطوير القدرات البشرية وخلق نقاط ضعف جديدة في حال تعطُّل هذه الأنظمة.
رؤية مستقبلية
يتوقع الخبراء أن يزداد الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن القومي خلال السنوات القادمة، مع التركيز على تطوير أنظمة أكثر ذكاءً وقدرة على التكيف. وستسعى الدول إلى إيجاد توازن بين تعزيز الأمن واحترام الخصوصية والحريات الفردية.
وتعمل العديد من المنظمات الدولية على وضع معاييرَ وضوابطَ أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات الأمنية، للحدّ من المخاطر المحتملة وضمان استخدام هذه التقنيات بطريقة مسؤولة تخدم المجتمع وتحمي أمنه.
الخاتمة
في عصر تتسارع فيه التحولات الرقمية وتتطور فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي بوتيرة متسارعة، أصبح تعزيز الأمن القومي مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالقدرة على مواكبة هذه التطورات والاستفادة منها. وللدول التي تسعى إلى الحفاظ على أمنها واستقرارها، لا بديل عن الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتطوير الكفاءات البشرية القادرة على التعامل مع تحديات العصر الرقمي.
يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين الاستفادة من إمكانيات الذكاء الاصطناعي الهائلة في تعزيز الأمن القومي، وضمان استخدام هذه التقنيات بطريقة أخلاقية تحترم قيم المجتمع وحقوق أفراده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور بوشيخي بوحوص – خبير اقتصادي و أستاذ محاضر في جامعة مستغانم في الجزائر.
الدكتورة فاطمة الزهراء مسعودي – دكتورة في الدراسات الاستراتيجية والأمنية.
الدكتور سرايش صدام حسين – صحفي في الجرائم الالكترونية.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً