بقلم الدكتور عبدالله العبادي*
في الوقت الذي تعيش فيه معظم دول الساحل والصحراء العديد من المشاكل والاضطرابات السياسية والاجتماعية والمشاكل الاقتصادية، وانقلاباتٍ عسكرية، ونشاط الحركات المتشددة، التي تزعزع استقرار هذه الدول، التي تحاول الخروج من السيطرة الفرنسية، والتي خيّمت منذ عقود طويلة، قدّم السنغاليون عرضاً جميلاً في الديمقراطية، وشكلت السنغال الحدث. وهي التي شكلت دوماً نموذجاً يُحتذى به في التعايش والسلم بين كل مكونات المجتمع السنغالي، معتمدة على تاريخ طويل من الصوفية والتي يمتد نفوذها من المغرب حتى غرب القارة.
السنغال واحدة من الديمقراطيات الناشئة، بلد مستقر، يجلب استثمارات كثيرة، نسبة شباب مرتفعة، شباب متمرد على الوصاية الفرنسية، ويحلم ليس فقط بسنغال قوي بل بقارة قوية، إنه الحلم الإفريقي الذي بدأ يراود شباب القارة. إفريقيا الغنية وشعوب فقيرة هكذا أرادها أعداء الإنسانية وأعداء الديمقراطية، والرأسماليون المتوحشون، الذين أتوا على الأخضر واليابس وأفقروا شعوباً وأمماً كثيرة.
أكثر من 7 ملايين ناخب سنغالي، كانوا مطالبين عبر صناديق الاقتراع باختيار رئيس جديد للبلاد سيكون هو الرئيس الخامس في تاريخ البلد. تنافس في الانتخابات الرئاسية السنغالية الأخيرة 19 مرشحاً، وكانت قد شهدت البلاد خلال الشهر الماضي أزمة دستورية، تلاها حوار سياسي، بعد أن فرض المجلس الدستوري على الرئيس المنتهية ولايته (ماكي سال) إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
يُعتبر السنغال من بين أكثر البلدان ديمقراطية في غرب إفريقيا وأكثرها استقراراً سياسياً، في وقت يواجه فيه مشاكل اجتماعية واقتصادية عقب أزمات واضطرابات سياسية كادت تعصف باستقرار البلاد.
قد يكون خبر الانتخابات الرئاسية في السنغال عادياً لدى البعض، وقد يشكل حدثاً استثنائياً للغير، لكنه في الحقيقة درس للمتشدقين بالممارسة الديمقراطية، وأصحاب النظريات الجوفاء، والأحلام الوردية، أولئك الذين يتحدثون عن الفعل السياسي و تداول السلطة وهم في نفس الوقت أشد أعداء التغيير.
أن يترشح شاب معارض، سبق له أن قضى أحد عشر شهراً في السجن، ويدخل انتخابات رئاسية ثم يفوز بها ومن الجولة الأولى، فذلك يعد سابقة ديمقراطية مهمة في تاريخ البلاد ودول غرب إفريقيا، والمفروض أن تكون التجربة السنغالية درساً مفيداً لدول الجوار حيث أجبر الشعب بمظاهراته رئيس الجمهورية السابق على إجراء انتخابات مبكرة بعد أن أراد تأجيلها، كما أجبر مفوضية الانتخابات والحكومة على الالتزام بالحيادية وعدم التدخل.
نتمنى أن تنجح التجربة السنغالية التي دلّت على تماسك وحدة المطالب الشعبية التي اتسمت بالسلمية، وحققت مبتغاها، وألّا نتفاجأ كما حصل حين آمنا ببعض التجارب في المنطقة وبالانتقال الديمقراطي وخاب ظنّنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور عبد الله العبادي – كاتب صحفي، محرر الشؤون العربية و الأفريقية في صحيفة الحدث الأفريقي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً