بقلم الدكتور محمدعياش*
مع اقتراب الحرب من شهرها الأول، لايبدو هناك أمل في التوصل لوقف إطلاق النار خلافاً للحروب السابقة، وأطول هذه الحروب هي ما «أطلقت إسرائيل» في السابع من يوليو / تموز 2014 عملية سمتها «الجرف الصامد»، وردت عليها المقاومة بمعركة «العصف المأكول»، حيث استمرت المواجهة 51 يوماً، إلا أن الحديث عن ضرورة وقف إطلاق النار تردد من اليوم الأول حتى اليوم الواحد والخمسين، والشعارات أو الأهداف الإسرائيلية كانت متشابهة للأهداف التي حددتها بمعركتها والتي سميت «السيوف الحديدية» رداً على «طوفان الأقصى» في السابع من شهر أكتوبر / تشرين الأول.
التجربة التاريخية تقطع بأن النضالات التحررية، لا سيما إذا كانت للأرض قداسة مطلقة كما الحال في فلسطين، تفوق الصراعات على الأراضي منزوعة القداسة، ومن هنا حكماً سوف تنشأ أجيال وأجيال عازمة على تكرار تجارب النضال، ومراكمة ثارات تاريخية، ما يعني البقاء داخل حلقة مستمرة من مواجهات لا تنتهي إلا بتحرير الأرض من ربقة الاحتلال.
استشعر الكيان الصهيوني هذه المرة بمرارة الهزيمة وكسر في هيبته العسكرية ناهيك عن الاستخدام الأمثل للإستراتيجية العسكرية المذهلة للمقاومة في الاختراق والتقدم لمسافات كبيرة وكأن الكيان يعمل جاهداً لمنع الفلسطينيين من إقامة الاحتفالات لهذا الإنجاز العظيم.
لعلّ أبلغ الإجابات تعبيراً في وصف طوفان الأقصى غير الأخير بالتأكيد ما ورد على لسان رئيس الموساد الإسرائيلي السابق إفرام هاليفي عندما سُئل: ألم تكونوا تزعمون أنكم تمتلكون أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم ؟ فأجاب «بلى كنّا، حتى أمس» ويقصد بأمس يوم انطلاق عملية طوفان الأقصى، الذي وافق السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
إن تصميم قادة العدو على تنفيذ حرب برّية يعكس حالة الهلع المستشرية والمخاوف من تكرار التجربة في عموم إسرائيل، ما يدفع هؤلاء لحالة من التحدي للمجتمع الدولي والقفز فوق القرارات الدولية التي تمنع من استهداف المدنيين في مساكنهم، وهذا ما نراه ماثلاً في قصف مربعات سكنية كاملة ومسحها عن الأرض بل وترك حفرة كبيرة تقدر ما بين 100 متر وعمق عشرون متر وتجريب الصواريخ الزلزالية التي تبحث عن الأنفاق التي تقلق العدو الذي يبدو عاجزاً وخائراً أمامها.
إسرائيل لا تجلس على الرماح، وإلى متى ستظل واقفة على حد السيف؟، ولأن الذهنية التي حاولت تثبيتها في عقول العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، دولة قوية جداً تعتمد في الدفاع عن نفسها ضمن إستراتيجية ثابتة من خلال ثلاث معايير، الأول التنبه الاستخباراتي، والثاني ردع العدو على أرضه، والأخير حسم المعركة بسرعة. طوفان الأقصى دمّر هذه الإستراتيجية بالكامل، وبالتالي فهو يتبع سياسة الوحش الجريح الذي يضرب بكل الاتجاهات.
عملية طوفان الأقصى ستعيد حسابات العالم، بخصوص الوجه القبيح للكيان الصهيوني واستمراره بالقتل والتدمير.. كولومبيا قطعت العلاقات الدبلوماسية وتشيلي وبوليفيا، والمسيرات التي تجوب أربع جهات الأرض، وبعض الإجراءات الخجولة الخفورة من الأردن من استدعاء السفير الأردني من إسرائيل ووقف البحرين العلاقات الاقتصادية ناسفاً تفاهمات السلام الإبراهيمي وعرّابه جاريد كوشنير صهر الرئيس السابق دونالد ترامب.
وكلما زاد عدد قتلى الجنود الصهاينة في المواجهات في قطاع غزة، كلما تعالت الأصوات الصهيونية بالمزيد من الاستخدام المفرط للقوة، حتى النداءات من خلال الكنيست من بعض أعضائها بضرورة استخدام السلاح النووي يدل على طبيعة العجز الكامل للتعامل مع رجال المقاومة، وبالتالي فإن إسرائيل تبحث عن «شربيت قساميم» بالعبري العصا السحرية التي تخرجها من هذا المأزق وتعيدها وهيبتها العسكرية إلى ما قبل السابع من تشرين الأول.
= = = = =
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً