بقلم الدكتور محمدعياش*
التجربة التاريخية تؤكد بأن النضالات التحررية، لا سيما إذا كانت للأرض قداسة مطلقة كما الحال في فلسطين، تفوق الصراعات على الأراضي المنزوعة القداسة، ومن هنا حكماً سوف تنشأ أجيال وأجيال عازمة على تكرار تجارب النضال، ومراكمة ثارات تاريخية، ما يعني البقاء في الميدان حتى نيل الحقوق كاملة.
منذ البدايات الأولى لقيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، لم تكن فترة طبيعية أو مهدت لها بيئة مناسبة حان وقتها فتمّ الإعلان عنها دون احتدام أو صراع مع العامل الأيكولوجي (البيئة والمناخ)، فرؤساء لهذا الكيان اعترفوا وأكّدوا، أنّه لولا المجازر والمذابح بحق الشعب العربي الفلسطيني لما قامت «دولة إسرائيل».
تستند الرواية الصهيونية كذبا ً وتزويرا ً على الجذور التاريخية والتي وردت قبل ألفي عام « ديفيد وغولياث», ديفيد الإسرائيلي والعملاق الفلسطيني، وكيفية خلق سردية تعاطفية مع الفتى اليهودي الذي ينبري لقتل العملاق غولياث بخمس حصيات ؛ الأولى منهن في رأسه، حيث تفقده السيطرة ليقفز ديفيد منهيا ً حياته لتقوم بعدها أول دولة «لبني إسرائيل».
استفادت الصهيونية من الإعلام العالمي في بث الأكاذيب والأراجيف حيث باتت مالكة لأكبر قنوات وصحف ومجلات.. واليوم مع الطفرة التكنولوجية المتمثلة بالتواصل الاجتماعي ونوافذه المتعددة والاستثمار الكبير، تُقدم نفسها ضحية الإرهاب العربي عموما ً والفلسطيني خصوصا ً ناهيك عن اسطوانتها المشروخة «المعاداة للسامية».
وضع بن غوريون أول رئيس وزراء صهيوني، العلامة المميزة أو الخطة التي يجب السير وفقها ومفادها: إنّ مصير الشعب اليهودي متوقّف على «أن يظل الشعب المختار». بهذا الاستعلاء القومي تزدهر الصهيونية وتتفوق على بقية البشر، وقتل وتشريد «الأغيار» الضامن الحقيقي لديمومتها.
هذه النظرة الاستعلائية السيكوباتية، هي التي دفعت الدول الغربية للخلاص من اليهود، ومساندتهم لها بإنشاء وطن قومي يقطع عنهم حالة الشتات «الدياسبورا» ولا ننسى استثمارهم الكبير للكنز التاريخي الذي يسمى محرقة «الهولوكوست» وإجبار أغلب الدول الغربية على دفع مبالغَ كبيرة تعويضاً دائماً.
قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تثق كل الثقة بقدرة «إسرائيل» على الدفاع عن نفسها في وسط محيط كارهٍ ومعادٍ.. إلا أنها المرّة الوحيدة التي تسارع في جلب المدمرات والبوارج والغواصات النووية لأنّ ثمة خللاً أصاب هذه الثقة في مقتل.
قبل الهجوم الغزّي، عاشت «إسرائيل» زمناً طويلاً بالاعتماد على الاستراتيجية العسكرية التي خلقت لها تفوقاً على الدول المحيطة، وحتى خارج هذه الدول في أحيان كثيرة (الاغتيالات)، استراتيجيتها المؤلفة من ثلاث نقاط، الأولى التنبه الاستخباراتي للمخاطر التي تحيق بها، الثانية فرض الحرب على أرض الخصم، والأخيرة، حسم المعركة بسرعة. ضمن هذه الرؤية وإسقاطها على الحرب الدائرة سقطت هذه الاستراتيجية في أتون التفوق الفلسطيني وحاجته للتخلص من ربقة الاحتلال الصهيوني وإقامة دولته من النهر حتى البحر.
مئات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بحقّها، وأشهرها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3379، الذي اعتمد في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 1975 بتصويت 72 دولة بـ (نعم) مقابل 35 بـ (لا) و (امتناع 32 عضوًا عن التصويت)، يحدد القرار «إن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري «.
تفوقت «إسرائيل» على نفسها بالقتل والتدمير، مدارس الأونروا والمستشفيات أصبحت هدفا ًحيويا ً، والأطفال منهم (الخُدّج) على وجه التحديد لم يسلموا من إجرامهم، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها لم تهز شعرة في ضميرهم بل زاد وزير «التراث» الصهيوني إلياهو عميحاي بضرورة إلقاء قنبلة نووية على كامل القطاع، وتصميم بنيامين نتنياهو على الانتصار مهما كلف ذلك من أثمان، يجزم بأنه قارئ خاطئ لتاريخ مزيف ومحوّر، لتبرير ما ستقوم به من فظاعات يندى لها الجبين.. وأبلغ وصف لهذه الدولة الغاصبة ما جاء في افتتاحية لوموند الفرنسية بأنها «وباء الوحشية»، وإذا لم يتم التعامل معه سوف ينتشر كالنار في الهشيم.. اللهم بلغنا فاشهد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً