بقلم الدكتور محمد عياش*
إذا كان للعالم ثلاثة مفاتيح كما حددتها الولايات المتحدة الأمريكية لغايات السيطرة والتحكم بالممرات البحرية الدولية، وأصدرت الكثير من القوانين لإخراجها من سيطرة البلاد المتشاطئة، وهي مضيق هرمز، وباب المندب، ومضيق ملقا، يعني ذلك بأن الخطة الثلاثية يمكن سحبها على نحو مماثل ولكن بمكان آخر، وهذه المرة ثلاث دول، «إسرائيل» و أوكرانيا و تايوان.
وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على حزمة مساعدات خارجية بقيمة 95 مليار دولار، تشمل تقديم دعم عسكري لـ «إسرائيل» و أوكرانيا و تايوان. و وقّع الرئيس جو بايدن على تشريع المساعدات، ليصبح قانوناً واجب النفاذ، يوم الأربعاء24/4/2024. وجاءت موافقة مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء، بعد أن أقرّ مجلس النواب تشريع المساعدات الخارجية يوم السبت.
إذا نظرنا لخريطة العالم، نجد أنّ واشنطن قد حددت المخاطر والمخاوف التي من الممكن أن تهدد الأمن القومي الصهيو-أمريكي، وكما قال الجنرال ديغول:” إذا أردت التحدث في السياسة عليك أن تحمل في جيبك «أطلساً» أي خريطة العالم. واشنطن وضعت المرتسمات وحددت الأهداف والمخاطر لإدارة النزاعات في العالم، والتي من خلالها التحرك وفق الخطط والآليات اللازمة، وجاءت عبارة عن مفاتيح و منطلقات.
تُعتبر الأزمة الروسية–الأوكرانية «ثالثة الأثافي» التي ارتكزت عليها الاستراتيجية الأمريكية، وبذلك تختزل واشنطن العالم في ثلاث أزمات لضرورة التحالفات والتدخلات باعتبارها كما تظن بأنها القطب الوحيد في العالم القادر على حل المشاكل والنزاعات بين دول العالم.
وحقيقة القول أن واشنطن مصدر القلاقل والصراعات، ولا توجد لديها نيّة لأن تكون الدولة الضامنة لفضّ النزاعات والصراعات، وإيزنهاور قالها يوماً:” نصنع الأعداء لكي ننتج السلاح”. وهنري كيسنجر يقول في هذا الصدد:” إن الولايات المتحدة عند نشوب حرب أو أزمة فإنها لا تقوم بدورها للبحث عن حل، بل تتريث لأن تتضح المنفعة لها”.
إن الدعم الاقتصادي لكل من إسرائيل و أوكرانيا و تايوان، يأتي ضمن الاستراتيجية الواضحة وانعكاساً لأعدائها الحقيقيين. فإسرائيل و تثبيتها و دعمها و حمايتها بمجلس الأمن و كل المحافل الدولية، وحتى المحاكم، يعني العالم الإسلامي و العربي و العالم الحر الذي بدأ يدرك خطورة هذا المشروع النازي، و أن حمايته ضرورية لخدمة المصالح الأمريكية و الغربية.
تمثل المساعدات الاقتصادية لتايوان رسالة قوية للصين وتحدٍ لسياساتها التي لا تعترف بالجزيرة وتعتبرها من الأراضي الصينية. وبهذا الإجراء تُبرز واشنطن عضلاتِها أمام بكين، فواشنطن تمانع عودة تايوان إلى الدولة الأم وتصرّ على عدم إجراء أي استفتاء فيها.
أما الحرب الروسية–الأوكرانية فلها حساسية مطلقة، لأن واشنطن تدرك أن هذه الحرب في حالة انتصار روسيا ستكون بمثابة هزيمة الغرب برمته، و ربما انحسار القوة الأمريكية وتقوقعها على نفسها، والذي ينذر بعودة الحرب الأهلية الأمريكية في البلاد، لذلك تأتي التصريحات الأمريكية قوية وجازمة. يقول الرئيس الأمريكي جو بايدن: “إن أوكرانيا ليست بعيدة وأنه لن ينحني”، وهذا التصريح يعبّر عن الخوف الذي يؤرقه ويدفعه للمزيد من القوانين التي من خلالها يوفر السيولة الاقتصادية لثلاث نقاط في خريطة العالم الذي بدأ يضجر ويسأم من السياسة الأمريكية التي تكيل بمكيالين.
في علوم السياسة، لا يمكن حساب الكثير من الأمور، التي لا تخطر على بال أحد، لأن الإنسان بكل ما أوتي من قوة ومكر ومال ودهاء لا يمكن أن يمنع القدر المكتوب أو أن يتوقع أشياء قبل وقوعها. مثلاً، نأخذ الاحتجاجات التي تتصاعد وتتوسع في جامعات الولايات المتحدة تنديداً واستنكاراً للإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة. إذ تعتبر هذه الاحتجاجات الخطر الأكبر على الولايات المتحدة، لأن الجامعات والمعاهد تعتبر الرأي العام الحقيقي والنخبة في البلاد.
المبدأ الذي قامت عليه الولايات المتحدة مغلوط، لأن هذا الكوجيتو لا يقوم على العدل والمساواة وبالتالي فإن الديمقراطية التي تتشدق بها واشنطن قد أصيبت بمقتل في فلسطين، فالعالم الإسلامي والعربي والحر زاد من حنقه على هذه السياسة الهوجاء، و واشنطن إذ تعتقد بأنها قادرة على إنقاذ إسرائيل من ورطتها في رمال غزة، فهي واهمة و تطبخ الحصى.
طوفان الأقصى غيّر المعادلة، وما بعده ليس كما قبله، وزمن العربدة الصهيو-أمريكية ومرتكزاتها انتهى إلى غير رجعة. جرف الطوفان الاستراتيجيات الإسرائيلية الثلاث، المعلومات الاستخبارية قبل وقوع الخطر و الحرب الخاطفة و الحسم السريع، وانتظروا ظاهرة الاستقالات والهروب الجماعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً