بقلم الدكتور آصف ملحم*
أقرّت الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، قانون مساعدات عسكرية لأوكرانيا قيمتها 60.84 مليار دولار؛ فلقد صوّت الكونغرس و مجلس الشيوخ على هذا القانون، كما أن الرئيس بايدن وقّعه و أصبح قانوناً نافذاً.
في الواقع، القسم الأكبر من هذا المبلغ سيقوم الأمريكيون أنفسهم بالتعامل معه، ولن يتم تقديمه بشكل مباشر لأوكرانيا.
سيتم استخدام أكثر من الثلث، و تحديداً 23.2 مليار دولار، لملءِ مخازن الجيش الأمريكي؛ فهذه المخازن نضبت بسبب تقديم الأسلحة المستمر لكييف.
سيتم شراء أسلحة جديدة لأوكرانيا بمبلغ 13.8 مليار دولار. يدور الحديث هنا عن أسلحة سيتم تصنيعها و أخرى سيتم إرسالها بشكل مستعجل.
في حين تمّ تخصيص مبلغ 11.3 مليار دولار لدعم عمليات الجيش الأمريكي العسكرية في المنطقة. المقصود هنا تدريب الجيش الأوكراني والوجود العسكري الأمريكي في الجناح الشرقي للناتو.
وهناك مبلغ 7.85 مليار دولار، تم تقديمه على شكل قرض لأوكرانيا، وهذا هو الشرط الذي طالب به الجمهوريون للموافقة على القانون. سيذهب هذا المبلغ مباشرة إلى الميزانية الأوكرانية، و الغاية منه دعم الاقتصاد الأوكراني.
المبالغ المتبقية مخصصة لدعم الأمن الغذائي و النووي و أجهزة الأمن الداخلي و مكافحة تجارة المخدرات، و كذلك لدعم قطاعي النقل و الطاقة.
في هذا القانون هناك فقرة مستقلة تطالب الرئيس الأمريكي بإعداد استراتيجية خلال 45 يوماً حول الدعم اللاحق لأوكرانيا. يجب رسم هذه الاستراتيجية لعدة سنوات، بحيث تتضمن أهدافاً محددة، و تتمحور حول مصالح الأمن القومي الأمريكي.
فضلاً عن ذلك، فإن القانون الجديد يُلزم الرئيس بايدن بتوقيع اتفاقية مع الحكومة الأوكرانية خلال 60 يوماً بهدف استعادة الأموال المقدمة على شكل قروض لأوكرانيا. كما أن هذا المبلغ، أي القرض، لا يمكن استخدامه لصرف المعاشات التقاعدية للمواطنين الأوكرانيين. ولقد شرحت وزيرة السياسة الاجتماعية، أكسانا جولنوفيتش، السبب بقولها: (مواطنو الولايات المتحدة لا يتقاضون معاشات تقاعدية تضامنية)، لذلك فمن الصعب شرح -كيفية تقديم أموال لمتقاعدي الدول الأخرى، في حين أنّ متقاعديهم لا يحصلون على ذلك – للناخب الأمريكي.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي يستطيع تقليص هذا الدين بنسبة 50% بعد 15 نوفمبر 2024، ويمكن إلغاء هذا الدين نهائياً بعد 1 يناير 2026.
أكدت صحيفة الواشنطن بوست بأن الدفعات الأولى من المساعدات ستصل خلال أسبوع على الأكثر من إقرار قانون المساعدات، و سيتم إرسالها من مستودعات الجيش الأمريكي. من المرجح أن تتضمن حزم المساعدات هذه قذائف مدفعية و صواريخ لمنظومات الدفاع الجوي باتريوت.
فيما يتعلق بصواريخ آتاكامس ATACMS، التي يصل مداها إلى 300 كيلومتر، فيمكن للرئيس الأمريكي عدم تقديمها إذا كان ذلك يشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي، ولكن على الرئيس بايدن إخطار الكونغرس بذلك و شرح أسباب امتناعه عن تقديمها لأوكرانيا.
ولكن تبين أن الولايات المتحدة قدمت حوالي 100 صاروخ آتاكامس سراً، وهذه كانت جزءاً من حزمة المساعدات التي تم تقديمها في شهر آذار من هذا العام، و التي وقّع عليها الرئيس بايدن في منتصف فبراير. تم استخدام هذه الصواريخ في قصف مطار عسكري في جانكوي في شبه جزيرة القرم، و في قصف القوات الروسية في بيرديانسك على بحر آزوف.
في الأيام الأخيرة، دار الكثير من النقاش و الجدل في مختلف وسائل الإعلام عن أهمية هذه المساعدات و أثرها المباشر في الميدان على أوضاع الجيش الأوكراني، الذي خسر الكثير من مواقعه في الأشهر الماضية.
في الواقع، إن ميزان القوة مال لصالح روسيا منذ فترة طويلة من الزمن، حتى في تلك الفترة التي كانت الأسلحة الغربية تتدفق إلى أوكرانيا و بكميات كبيرة. أما اليوم فالفارق بالقوة على الجبهة بين الطرفين أكبر مما كان عليه سابقاً، و خاصة في ظل صعوبات التجنيد في أوكرانيا. لذلك فإننا نعتقد بأن هذه المساعدات ستساهم في إبطاء تقدم الجيش الروسي و ليس أكثر، و زيادة حماية الأجواء الأوكرانية، و لكنها لن تؤدي إلى تغيير جذري على الجبهة.
ستُمكن الصواريخ بعيدة المدى و الطائرات الجيش الأوكراني من قصف الخطوط الخلفية في عمق الأراضي الروسية. ستكون هذه الضربات مؤلمة لروسيا بالتأكيد، ولكن لا نعتقد أن هذا القصف سيجبر روسيا على التراجع عن خططها، فالواقع يؤكد أن روسيا تعلمت من أخطائها و تمكنت من تأمين الحماية اللازمة للمنشآت الحساسة. فالقصف الروسي العنيف و المستمر للخطوط الخلفية الأوكرانية لم يجبر أوكرانيا على الاستسلام، فلن تكون أوكرانيا الأضعف قادرة على فعل ذلك، و خاصة أن روسيا مساحتها شاسعة. لذلك فمن المرجح أن تكون الغاية من قصف العمق الروسي هي محاولة زعزعة الاستقرار داخل روسيا، ونقل المعركة إلى داخلها و بالتالي دفع الناس للانقلاب على القيادة الروسية.
بناءً على ما تقدم، فإننا نعتقد بأن الحرب بين روسيا و أوكرانيا ستدخل في طور جديد من الاستنزاف، قد يستمر لمدة سنة أو سنة ونصف، و سيكلف الجانب الأوكراني الكثير من الموارد البشرية، مع استمرارية الضغط السياسي و الاقتصادي الغربي على روسيا. لذلك تبقى الأسئلة:
-كيف سيكون الوضع على الجبهة بعد سنة من الآن؟
-هل سيضطر حلف الناتو إلى دخول الحرب مباشرةً؟
-هل ستضطر روسيا إلى اللجوء للخيار النووي؟
-كيف سيكون الوضع الداخلي في أوكرانيا؟
-كيف ستؤثر الأزمة الأوكرانيا على باقي المناطق الساخنة في العالم؟
أسئلةً مفتوحة للمداولة و النقاش، و سأكون في غاية السعادة بتلقي آراء القراء الكرام و تحليلاتهم حول الموضوع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور آصف ملحم – مدير مركز جي إس إم للأبحاث و الدراسات (موسكو).
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً