بقلم الدكتور محمدعياش*
قال الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني: “لا صديق للأكراد سوى الجبال”.
عند بداية الوعي، وأنا في سن العاشرة حضرت مرّة احتفال الأكراد بعيد النيروز والذي يصادف مع عيد الأم 21 آذار / مارس من كل عام، احترمت تهافتهم وتجمّعهم في منطقة تكون بعيدة بعض الشيء عن البلدة لإقامة طقوسهم واحتفالاتهم، وما زاد إعجابي ذكرهم لفلسطين وقضيتها العادلة، وعلى قدر وعيي اعتبرتهم من المظلومين من خلال أغانيهم وألحانهم الحزينة.
أكثر ما يحتاجه الأكراد إلى شخص مثل الجنرال ماك أرثر الياباني الذي استعان بعدد من خبراء الاجتماع لفهم المجتمع الياباني، وكان على رأسهم عالمة الأنثروبولوجي (روث بندكت) التي طورت نظرية «السواء النفسي» عن السمة الوطنية والتي سمتها «الالتحام والامتثال»، ثم كتابها «الأقحوان والسيف» عن المجتمع الياباني.
إنّ الأكراد كعرق موجود منذ زمن طويل لا يمكن تجاهله ونكرانه، ولهم تجارب كثيرة سواءً في محاولاتهم إنشاءَ دولة مستقلة بهم أو إقناع الدول التي يسكنونها بأحقيّة أحلامهم وتطلّعاتهم لقيام الدولة الكردية وهذا لم يمر-في كثير من الأحيان- دون مشاكل أو صدامات عسكرية وما شابه.
مشكلة القضية الكرديّة تكمن في عدم واقعيّتها وتموضع الدولة المرسومة في مخيلتهم والتي تقع بين أربع دول مثل إيران وتركيا وسورية والعراق. أي بين دولتين إقليميتين ودولتين عربيتين، وبالتالي قد نرى في المستحيل إستثماراً لمثل هذه المطالب والأحلام.
كان الاستفتاء على استقلال كردستان العراق قد عقد في يوم 25 سبتمبر/أيلول 2017، مع إظهار النتائج التمهيدية بإدلاء الغالبية العظمى من الأصوات بنسبة 92%، لصالح الاستقلال وبنسبة مشاركة بلغت 72%، ذلك الإجراء جاء بتشجيع الولايات المتحدة الأمريكية ووعدت بالاعتراف، إلا أنها نكثت وعدَها وأوصت الأكراد أن يمتثلوا لأوامر الدولة العراقية (بغداد)، الأمر الذي دفع مسعود البارازاني إلى الابتعاد عن المشهد السياسي وترك منصبه لابنه نجيرفان البارازاني.
تطالب الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإبعاد المعارضة الإيرانية من أصول كردية عن الحدود مع العراق وتهدّد بين الفينة والفينة بقصفهم في مواقعهم. وتركيا التي قصفت مواقع حزب العمال الكردستاني في الشمال العراقي عدة مرات، وتطالب أيضاً حكومة السوداني بلجم تحركات الأحزاب الكردية المناوئة لتركيا.
تظهر العقبة الكأداء في الأراضي السورية، مع دخول الأطماع الأمريكية في الشمال الشرقي السوري، ودعمها لحزب سوريا الديمقراطية واحتلالها لمنابع النفط السورية، بحجّة محاربة الإرهاب وفلول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
تعتبر الدولة السورية جميع الأكراد على أراضيها مواطنين من الدرجة الأولى، في حال لم يتم تجنيدهم لحساب الولايات المتحدة، أو انخراطهم بعيداً عن القوانين السورية المعمول بها، من حيث الحقوق والواجبات، وبالتالي فإن الاستثمار الأمريكي في (القضية الكردية) واضح المعالم والمرتسمات.
دمشق لها الحق في المطالبة مراراً وتكراراً بخروج القوات الأمريكية من أراضيها وعلى هذا الأساس تتخوّف واشنطن من وضعها كدولة مُحتلة لدولة ذات سيادة. لكن، مع الأسف، بوجود بعض القوى الكردية، التي لم تتعلّم من التاريخ القديم والحديث بأن واشنطن قد تتخلى عن أصدقائها وفق رؤية استغلالية مقيتة، أبقت الحجج والأكاذيب مفتوحة على مصراعيها. وفي هذا السياق يجدر التذكير بقول الرئيس المصري: “المتغطي بالأمريكان عريان”.
روسيا تمسك العصا من المنتصف في الحالة الكردية، إذ لا مشكلة مع جميع المكوّنات، فهي تلتزم الاحترام الكامل للدول التي يتواجد فيها الأكراد على أراضيها، إلا في حالة أن يتحوّل أي فصيل نحو الإرهاب أو الولاء الأعمى للولايات المتحدة.
باختصار، إن المشكلة أو الحالة الكردية، يجب عليها أن تسلك مسلكاً سلميّاً وأن تتعامل مع العملية الجيو-سياسية ببراغماتية واضحة؛ فلن تستقيم إلا حين تنفض عنها غبار الآيديولوجيات الاستلابية، وتخلي بينها وبين المراهقات الثورية، وتطرح عنها أزمنة الطفولات العقلية، وتثور على أزمنة السيكولائية الاجترارية والتعايش المستدام هو الهدف والأمان.
= = = = =
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً