بقلم الدكتور نجم الدليمي*
مقدمة
إنّ اشتداد الصراع السياسي والاقتصادي– الاجتماعي الدائر اليوم في العراق بين مختلف القوى السياسية العراقية يكمن جوهره الرئيس حول طبيعة ومستقبل النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق. تتفاعل في هذا الصراع العوامل الداخلية مع العوامل الخارجية، المتمثّلة بالقوى الإقليمية والدولية والمؤسسات الدولية. إنّ الشيء المميّز في عملية تحديد الآفاق المستقبلية للنظام السياسي في العراق هو أنّ العامل الخارجي أصبح المؤثّر والموجّه الرئيس في تحريك العامل الداخلي وفقاً لمصالح القوى الخارجية المتصارعة وفي مقدمتها المؤسسات الدولية.
المطلب الأول: أثر سياسة مؤسسات الحكم الدولية على اقتصاديات الدول النامية
شكّلت المؤسسات الدولية ومنها صندوق النقد والبنك الدوليين ظاهرة موضوعية ميّزت القرن العشرين، ولعبت الولايات المتحدة الأمريكية الدور الرئيس في تأسيس هذه المؤسسات الدولية وتوجيه عملها، بما يخدم ويعزز دور ومكانة الاقتصاد الرأسمالي العالمي بشكل عام والاقتصاد الرأسمالي الأمريكي بشكل خاص، من أجل إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد في ظل مرحلة الإمبريالية.
يلاحظ وجود تناقض واضح بين الأهداف المعلنة والأهداف الحقيقية/الفعلية لنشاط وعمل هذه المؤسسات، فالأهداف المعلنة لهذه المؤسسات الدولية تتمثل في الآتي: العمل على مكافحة الفقر والبطالة وتقديم القروض، وتحقيق النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار في أسعار الصرف، ومعالجة العجوزات المالية في الميزانية والميزان التجاري… وغيرها من الأهداف.
إنّ واقع الحال بالنسبة لسياسة الثالوث غير المقدس (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية) قد أثبت حقيقة موضوعية،ألا وهي فشل هذه المؤسسات الدولية في أغلب الأهداف المعلنة.فعلى سبيل المثال يُلاحظ في البلدان النامية تنامي معدلات البطالة والفقر، وتدني المستوى المعاشي للغالبية العظمى من المواطنين، وتزايد المديونية على الصعيدين الداخلي والخارجي، واستمرار حالات العجز المالي وتعمق الفجوة الاقتصادية–الاجتماعية على صعيد كل دولة وعلى الصعيد العالمي، والتكرار المستمر للأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية وانعكاساتها السلبية على الشعوب الفقيرة. إن سياسة صندوق النقد والبنك الدوليين هي سياسة ذات محتوىً طبقي وإيديولوجي، هي سياسة منحازة لصالح الطبقة البرجوازية الحاكمة سواء كان في بلدان المركز أو في بلدان الأطراف، وتنظر الإدارة الأمريكية إلى المؤسسات الدولية كأدوات سياسية واقتصادية وإيديولوجية تستخدمها لتحقيق أهدافها الخارجية، وهي أيضاً تُعتبر أدواتٍ للهيمنة والرقابة الاقتصادية والمالية والنقدية على البلدان النامية ورابطة الدول المستقلة (جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً) ودول أوروبا الشرقية من أجل تنفيذ سياسة ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي.
تسعى المؤسسات الدولية، من خلال استخدامها للقوة الاقتصادية والمالية والضغط السياسي والعسكري، ومن خلال(حلفائها وأصدقائها) في بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومن أصحاب النفوذ والقرار السياسي والاقتصادي المؤثر،إلى تطبيق (الإصلاح الاقتصادي) ذي النزعة والتوجّه الرأسماليين، وفرض نموذج تنموي خاص، تمّ إعداده من قبل خبراء هذه المؤسسات الدولية، ونعتقد أنّ هذا النموذجَ لا ينسجم ومصالح الغالبية العظمى من فقراء البلدان النامية.
يشير (ريتشارد بيت)، حول وضع السياسات الاقتصادية في البلدان النامية، إلى أن فئة (من العلماء الاقتصاديين في هذه البلدان، ممن تدربوا في الغرب، وطبّقوا تحليلاً معيارياً تقليدياً، وتسلّموا مناصبَ وزارية هم الذين أدخلوا في الغالب إصلاحات سياسية–اقتصادية ضخمة بخصوص كبح دور الدولة وزيادة الاعتماد على آليات السوق).
يكمن الجوهر الرئيس لوصفة المؤسسات الدولية التي أُعتمدت في البلدان النامية في:تحرير الأسعار والتجارة، وتنفيذ برنامج الخصخصة، وتقليص ثم إبعاد دور الدولة الاقتصادي–الاجتماعي، تقليص ثم إلغاء الدعم المادي للقطاعات الإنتاجية وخاصة الزراعة والصناعة وتخفيض الأجور وإلغاء مجانية التعليم والعلاج، والعمل على تعزيز دور ومكانة القطاع الخاص الرأسمالي في البلدان النامية.
إن هذه الوصفةَ (السحرية) مفروضة على البلدان النامية، وهي تحمل طابعاً سياسياً واقتصادياً وإيديولوجياً، وهي منحازة لصالح الطبقة الرأسمالية في هذه البلدان.
يكمن الهدف الرئيس للمؤسسات الدولية، في علاقاتها مع البلدان النامية أوغيرها، في فرض الهيمنة الإيديولوجية، أي تصدير الرأسمالية كنموذج سياسي واقتصادي-اجتماعي للخارج؛ والهيمنة الاقتصادية، أي تحويل البلدان النامية إلى بلدانٍ مصدّرة لأهم الموارد الطبيعية(نفط,غاز…وغيرها)، وسوقٍ لتصريف الإنتاج (الفائض)؛ وفرض الهيمنة السياسية، أي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية، عبر وسائلها السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، إلى السيطرة على العالم وقيادته.
المطلب الثاني: خصائص الاقتصاد العراقي ونتائج النهج الليبرالي والنيوليبرالي
منذ ثورة14 تموز 1958 و حتى اليوم، كان ولايزال الاقتصاد العراقي في شكله ومضمونه اقتصاداً رأسمالياً تابعاً ومتخلفاً، وشديد الارتباط بالاقتصاد الرأسمالي العالمي، و إن العلاقات الانتاجية الرأسمالية هي السائدة في الاقتصاد العراقي.
إن أهم ما يتميّز به الاقتصاد العراقي هو أنه اقتصاد ريعي و أحادي الجانب، فإيرادات النفط تشكّل أكثر من 90% من إيرادات الميزانية، وفي الصادرات أكثر من 93%. كما يتميّز الاقتصاد العراقي بالاختلال في البنية الهيكلية، وهذا يتجلّى في ضعف مساهمة القطاعات الإنتاجية في النّاتج المحلّي الإجمالي. ففي عام 2009، بلغت نسبة مساهمة الزراعة 3% والصناعة 1% في الناتج المحلي الإجمالي، كما قُدّرتْ قيمة الصادرات غير النفطية بـ 300 مليون دولار، في حين بلغ إجمالي قيمة الاستيرادات (سلع غذائية وقود) 38.5 مليار دولار. وفي العام 2010 زادت قيمة الاستيرادات إلى 44 مليار دولار، ولايزال هذا الاتجاه في تزايد مستمر، وبنفس الوقت يُلاحظ أن التخصيصات المالية للقطاع الزراعي لعام 2011 بلغت 3% والصناعة بـ 1.5%، في حين بلغت تخصيصات وزارة الدفاع والداخلية 15% من مجموع التخصيصات المالية.
إنّ تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي المفروضة على شعوب البلدان النامية، ومنها العراق، قد أفرزت أخطاراً حقيقية على الاقتصاد والمجتمع العراقي، وفي مقدمة هذه الأخطار تفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري بشكل مرعب، وتنامي معدلات الفقر والبطالة، وتدهور القطاعات الانتاجية، وخاصة الزراعة والصناعة، وتنامي خطر البيروقراطية الإدارية والطفيليين والسماسرة ( قوى اقتصاد الظل)، وتعمّق الهوة الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير؛ فأصبحت ملامح عملية الفرز الطبقي في المجتمع العراقي واضحةَ التّكوين والمعالم؛ فالحيتان و الديناصورات المالية بدأت تظهر وترفع رأسها من أجل استحواذ أكبر على المال والسلطة.
حسب تقديرات البنك الدولي، تبلغ نسبة البطالة في العراق39%، وفي أوساط الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15-29 فتبلغ 57%.أما بالنسبة للأطفال، فالوضع مأساوي للغاية، بدليل يوجد 3.5 مليون طفل يعيشون تحت مستوى خط الفقر و 1.5مليون طفل يعانون من سوء التغذية، ومايقارب من مليون طفل معوق، ومابين 4-5 مليون طفل يتيم، و الحقيقة: إنّ أي نظام لا يرعى ويهتم بالأطفال ليس له مستقبل. يوجد أيضاًأكثر من مليون امرأة أرملة، وارتفاع حالات الطلاق لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، ناهيك عن وجود ظاهرة خطيرة وهي بيع الأطفال. كما تتفشّى في العراق الأمراض وخاصة الأمراض السرطانية والإيدز. كذلك ارتفعت نسبة التشوّهات بسبب استخدام قوات الاحتلال الأمريكي الفسفور الأبيض في حربها على البلاد، مما أثّر بشكل مباشر على الأمهات الحوامل والأطفال الرضع؛ إذ تشير التقديرات إلى أنّ نسبة مابين 40 الى 50% من حالات الإجهاض بين النساء ناتجةٌ عن تشوّهات خَلقية في الجنين. كما أكدت وزارة البيئة العراقية أن أكثر من 70% من التشوهات التي تحصل ناتجة عن الإشعاعات المنبعثة من المخلّفات الحربية،ولقد ظهرت العديد من الولادات المشوهة،منها الطفل الضفدعي والطفل الحلقومي، وتشوهات في الأطراف السفلية والعلوية والعمود الفقري، وتشوهات في القلب، ناهيك عن ظاهرة التسول والتشرد والانحرافات السلوكية لدى الأطفال. علاوة على ذلك، يوجد أكثر من 4.5 مليون من المهاجرين خارج البلاد، ويوجد 2.5 مليون مهاجر داخل البلد.
كما يلاحظ أيضاً أن تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي قد ساعد في تنامي معدلات الفقر والأمراض، إذ تبلغ نسبة الفقر مابين 40-43% في المجتمع. ويعاني 60% من المواطنين من أمراض مختلفة، و يوجد نحو 39 مرضاً.28% من الأطفال يعانون سوء التغذية، وحوالي 4 مليون مواطن عراقي يعانون من انعدام الأمن الغذائي.إضافة إلى ذلك، يوجد 8 مليون مواطن أمّي، أي ما نسبته 26% من مجموع السكان.يوجد نحو 14 ألف معمل مغلق الآن، كما تراجعت الأراضي الزراعية من 48 مليون دونم الى 12 مليون دونم. أكثر من 75 بالمئة من السلع الغذائية والدوائية والسلع الأخرى مستوردة. يوجد 14658 مدرسة في وضع كارثي، منها 800 مدرسة مبنية من الطين. تنامى الدَّين الخارجي حيث بلغ نحو 130 مليار دولار، بالرغم من أن مبيعات النفط في الفترة 2004-2022بلغت حوالي 1.5 تريليون دولار أمريكي.أما إيرادات الدولة من الرسوم والضرائب، منذ بدء الاحتلال الامريكي للعراق ولغاية عام2022 فتقدّر بعشرات التريليونات من الدنانير العراقية.يرافق ذلك سوء نظام الحماية الاجتماعية،واستمرار وتفاقم مشكلة الخدمات، وفي مقدمتها مشكلة الكهرباء، والتي صرفت عليها مبالغ فلكية منذ عام 2004، إذ تقدر هذه المبالغ بحوالي 80-100 مليار دولار أمريكي، والمشكلةلاتزال قائمة، ولم يتم محاسبة وزراء الكهرباء. يعود السبب الرئيس لوجود أسوأ نظام عرفه تاريخ العراق الحديث، وهو نظام المحاصصة المقيت،إضافة إلى دور العامل الإقليمي والدّولي المعرقل لمعالجة هذه المشكلة؛ و كأنه يوجد قرار فيتو غير معلن أن يبقى الشعب العراقي واقتصاده بلا كهرباء.وبسبب النهج الليبرالي والنيوليبرالي المتوحش في وجود نظام المحاصصة اللاشرعي واللاقانوني. هذه بعض الإفرازات الاقتصادية والاجتماعية التي ظهرت بسبب تطبيق وصفة المؤسسات الدولية.
المطلب الثالث: رؤية مستقبلية لواقع الاقتصاد العراقي وعلاقته بمؤسسات الحكم الدولية
تكمن الرؤية المستقبلية لواقع و آفاق تطور الاقتصاد والمجتمع العراقي من خلال الدراسة والتحليل الموضوعي والعلمي لنتائج السياسة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع خلال فترة ماقبل عام 2003، وفي هيمنة الاحتلال الأجنبي من عام 2003 حتى الآن، من أجل استخلاص الاستنتاجات والمقترحات العلمية والموضوعية بما يخدم الاقتصاد والمجتمع العراقي.
أ-الاستنتاجات:
1- تحتاج الحكومة العراقية إلى وضع خطة إستراتيجية واضحة الأهداف والمعالم من أجل الخروج من الأزمة العامة، وهذا يتطلب صياغة مشروع وطني ديمقراطي يعتمد على مؤسسات وطنية كفوءة ومخلصة، تشارك في إعداده جميع الأحزاب السياسية العراقية والمنظمات الجماهيرية؛فبدون تحقيق الاستقرار السياسي والأمني لا يمكن الحديث عن أي تطور للاقتصاد الوطني، ولاعن الديمقراطية، ولاعن تحقيق العدالة الاجتماعية.
2- تفتقد غالبية الأحزاب السياسية إلى رؤية إستراتيجية اقتصادية – اجتماعية واضحة المعالم والأهداف.إن القرار السياسي هو الموجّه والمقيّد للقرار الاقتصادي ومن هنا تنشأ الأزمة،ناهيك عن غياب أسس الثقة المتبادلة بين قيادات الأحزاب المتنفذة في الحكم.
3- لا تنمية اقتصادية-اجتماعية حقيقية، ولا استقرار سياسي من دون حل جذري لمشكلة الكهرباء، فهذا سيقود إلى مجتمع يتمتع بالحرية والرفاهية والسعادة والخير.
4- كلما التزمت الحكومة بتنفيذ توصيات المؤسسات الدولية من خلال تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي، وخاصة تنفيذ برنامج الخصخصة، كلما تنامت معدلات الفقر والبطالة وتعمقت الفجوة الاقتصادية-الاجتماعية لصالح فئة قليلة من المجتمع، و هذا سيؤدي إلى تفاقم واشتداد حدّة الصراع الطبقي في المجتمع.
5- لا يمكن بناء دولة المؤسسات الدستورية في ظل هيمنة (مبدأ) المحاصصة الطائفي/السياسي المقيت، وتفشي الفساد المالي وضعف الأداء الحكومي والرقابة الشعبية، وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وفي ظل تنامي ظاهرة الفقر والبطالة ونقص كبير في الخدمات.
ب-المقترحات:
1- ينبغي قيام حكومة مركزية قوية ومهنية عادلة كفوءة ومخلصة، مع تحديد فترة انتقالية تتراوح مابين 10-15 سنة. وضع استراتيجية واضحة الأهداف والمعالم، نابعة من واقع وحاجة الاقتصاد والمجتمع العراقي،تشمل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافةً، وأن يكون هدفها الرئيس هو الإنسان تحديداً.من الضروري أيضاً العمل الجاد من أجل إنهاء الاحتلال الاجنبي للعراق، لأنه يعد أحد أهم عوامل عدم الاستقرار وتكريس التبعية والتخلف، ونهب ثروات الشعب العراقي.
2- الإقرار بتعدّد الأنماط الاقتصادية خلال المرحلة الانتقالية، وأن يلعب قطاع الدولة الدور الرئيس في التوجيه والتنظيم لفاعلية ودور هذه الأنماط الاقتصادية، والتخلي عن النهج الليبرالي والنيوليبرالي المفرط في وحشيته وعدوانيته وعدائه للغالبية العظمى من الشعب العراقي، وخاصة العمال والفلاحين والموظفين والمتقاعدين و صغار الكسبة وحتى صغار التجار؛فهو نهج يخدم مصالح فئة طفيلية بالدرجة الأولى، ليس لها أي علاقه بخلق الانتاج المادي.هذه الفئة الطفيلية اليوم هي المتحكمة بالسلطة الفعلية الحاكمة، و بالتالي هي الأوليغارشية الطفيلية المتنفّذة في الحكومة.كما يجب حلّ جميع الميليشيات المسلحة التابعة للأحزاب السياسية المتنفذة اليوم في الحكم،من أجل أن يكون في العراق جيشٌ واحد و وزارة داخلية واحدة وجهاز أمن استخبارات واحد وعلَمٌ مركزي واحد للجميع.
3- عدم الالتزام بوصفة صندوق النقد و البنك الدوليين،لأنها وصفة كارثية لاتخدم مصالح الغالبية العظمى من الشعب، فهي وصفة مؤدلجة تخدم مصالح الأوليغارشية الطفيلية وحلفاءها في السلطة.
4- ينبغي العمل على تعزيز دور ومكانة الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، و إعطاء الأولوية لتطوير القطاعات الاقتصادية الإنتاجية؛ قطاعَي الزراعة والصناعة، من أجل خلق الإنتاج المادي بهدف تقليل التبعية للخارج.كما أنه لا يمكن تحقيق معالجة جذرية للبطالة إلا من خلال تطوير قطاعات الزراعة والصناعة والبناء بالدرجة الأولى، وهذا يتطلب العمل والتنسيق وفق خطة مدروسة لتطوير القطاعات الأخرى.
5- من الضروري أن يتم العمل على تعزيز دور الرقابة الشعبية الحقيقية على عمل ونشاط السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية من أجل تعزيز وتطوير وتحسين أداء وعمل هذه السلطات.
6- العمل الجاد على كتابة دستور جديد للشعب العراقي بأيدي عراقية متخصّصة في مجال القانون والاقتصاد والعلوم السياسية، لأن الدستور الحالي مليء (بالقنابل الموقوتة).و هذا ليس نتيجة الصدفة أصلاً، لأن الدستور الحالي يعد أحد أهم مصادر عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والعسكري في البلاد؛ بسبب التناقضات الكثيرة فيه ابتداءً من المادة الأولى.في ذات الوقت ، لا بدّ من العمل الجاد على فصل واستقلالية السلطات الثلاث، وعدم التدخل في شؤون هذه السلطات من قبل أي حزب سياسي أو قائد سياسي؛ بهدف إبعاد الفوضى وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعدالة الاجتماعية وتثبيت الحق القانوني لجميع المواطنين دون تمييز.
7-العمل الجاد من قبل السلطة لاسترجاع الأموال المسروقة، والتي تجاوزت 850 مليار دولار أمريكي. وفي هذا الملف لا يجب تكرار ماحدث مع نور زهير أو ميثم الجبوري، الذي يعترف بأنه لص، سرق و أعاد قسماً من الأموال المسروقة، ويطالب أن تحسب الأموال المسروقة بسعر الصرف القديم وليس بسعر الصرف الحالي، فهذه وقاحة كبيرة، لأن مكان اللصوص السجن وفق القانون العراقي. يتطلب استرجاع الأموال المسروقة دعماً من القوى الإقليمية والدولية، ويمكن إيكال هذا الموضوع لشركات متخصصة في مكافحة غسيل الأموال. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وأجهزتها المختلفة تعرف بشكل جيد مصير جميع المليارات من الدولارات التي سُرقت من عام 2003 ولغاية اليوم.
8-من الضروري إقامة علاقات اقتصادية مع المؤسسات الدولية وبقية دول العالم على أساس تحقيق المنافع والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.
الخاتمة
نعتقد أنّ هذه المقترحات يمكن أن تخلق المقدمات الأساسية للتطوير الاقتصادي والاجتماعي، وتساعد على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني ومعالجة المشاكل الرئيسية التي تواجه الشعب العراقي. نعتقد أيضاً أنه لا يمكن تنفيذ هذه المقترحات في ظل المحاصصة الطائفية، لأنها تمس مصالح الأوليغارشية الطفيلية الحاكمة اليوم، ومن هنا ينبع الخطر والمأزق على المجتمع والاقتصاد العراقي.نعتقد كذلك أن التغيير أصبح ضرورة موضوعية، لأن النظام الحاكم فشل فشلاً ذريعاً في إدارة الدولة العراقية ووصل إلى طريق مسدود والتغيير سيكون حتمياً.
نقدم هذه الدراسة المتواضعة للشعب العراقي وقواه السياسية الوطنية كخطوة أولى،أو برنامج عمل قابل للتطوير والإضافة بما يخدم مصلحة الشعب العراقي، من أجل أن تعيش الأجيال الحالية والقادمة حياةً إنسانية لائقة في بلد يملك ثرواتٍ طبيعةً وبشريةً هائلة. يكمن الحل أولاً و آخراً في يد الشعب العراقي فقط، و المستقبل القريب سيكشف لنا مفاجآتٍ كثيرةً حول ذلك.
المصادر
1-منظمة هيومان رايتس ووتش.
2-د.نجم الدليمي،كارثة العراق لم يُرى لها نهاية، جريدة غلاسنوت (العلنية)،في 8 يوليو 2004، جريدة مجلس الأحزاب الشيوعية -الحزب الشيوعي السوفيتي باللغة الروسية.
3-د.نجم الدليمي، مقاومة الإحتلال الأجنبي حق مشروع وواجب وطني مقدس، جريدة قاسيون العدد 236، كانون الأول2004.
4-د.محمد زيني، الاقتصاد العراقي:الماضي والحاضر والمستقبل، بغداد،الطبعة الرابعة، السنة 2009.
5-بصمات الفوضى: إرث الإحتلال الأمريكي في العراق، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية،بغداد،الطبعة الأولى، السنة 2013.
(يعتبر من أهم الوثائق لإدانة الإحتلال الأمريكي للعراق، موثق بشكل علمي وموضوعي من قبل نخبة من الأساتذة والمثقفين الوطنيين العراقيين وكان صدور هذا الكتاب قد أزعج السفارة الأمريكية في بغداد حسب المعلومة الموثقة ومن مصدر موثوق).
6-د.نجم الدليمي،دور الرقابة الشعبية في الأداء الحكومي في الميدان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بحث مقدم إلى كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد في مؤتمرها السنوي المنعقد في أيار2011،وتم نشر البحث في جريدة طريق الشعب بتاريخ 31 مايو 2011.
7-د.نجم الدليمي، دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي في المرحلة الانتقالية للفترة (2013-2023): العراق نموذجاً، جريدة الطريق،العدد214، السنة2013.
8-د.نجم الدليمي،تنبيه وتحذير-احذروا بيع وخصصة العراق،الحوار المتمدن،العدد6815، 15 آذار 2021.
9-د.نجم الدليمي، خطر السياسة الاقتصادية والاجتماعية لنظام المحاصصة في ظل الاحتلال الأجنبي، الحوار المتمدن،العدد6945، 1 يوليو 2021.
10-د.نجم الدليمي،دور الرأسمالية في إفراز المجاعة والفقر: الدليل والبرهان،الحوار المتمدن،العدد7703، 14 أغسطس 2023.
11-د.نجم الدليمي،مأزق نظام المحاصصة… والحل، الحوار المتمدن،العدد7698، 9 أغسطس 2023.
12-د.نجم الدليمي،احذروا خطر النيوليبرالية الكارثي اليوم؟،الحوار المتمدن،العدد7643،15 يونيو 2023.
13-د.نجم الدليمي،أهمية وضرورة التغيير اليوم في المجتمع العراقي،الحوار المتمدن،العدد7652،24 يونيو 2023.
14-د.نجم الدليمي،هل توجد سياسة اقتصادية واجتماعية لنظام المحاصصة الحاكم؟.الحوار المتمدن،العدد7692، 3 أغسطس 2023.
15-د.نجم الدليمي،احذروا خطر تهريب أموال الشعب العراقي،الحوار المتمدن،العدد7763،14 أغسطس 2023.
= = = = =
*الدكتور نجم الدليمي – باحث وأستاذ جامعي متقاعد
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً