بقلم الدكتور عبدالله العبادي*
إنها الوطن والوجود والتاريخ والجغرافيا، إنها الثقافة والهوية والوجدان المغربي، لم يصنعها الاستعمار ولا أوجدتها القوى الاستعمارية، بل تعود لعشرات القرون من الوجود. تُعدّ المملكة المغربية من أقدم الممالك في العالم.
كل الاحترام لمملكتنا وكل التقدير لأبنائها البررة، وكل الخزي لمفسديها، الويل لهم من لعنة الوطن، وإن طالت ستلحقهم، وسيسقطون كالغربان، لأنها أرض الشرفاء ولا مكان للخُبثاء. كل الافتخار بالروح المغربية البشوشة والمضيافة، التي تجعل صناعة الفرح ممكنةً بأشياءَ بسيطةٍ، وقهر الظروف الصعبة عبر سلوكات تضامنية محفّزة لإرادة الصمود وخير دليل ما حدث بعد زلزال الحوز من تضامن قلّ نظيره في الداخل ومن أبناء المملكة في الخارج.
أبناؤها يزرعون الفرح والاحترام، أينما حلوا وارتحلوا زرعوا الابتسامة بشكل كبير في شوارع ومدن الكوديفوار، سوّقوا للسياحة في هذا البلد الجميل، تناغموا مع الساكنين بكل احترام وتقدير لثقافة الاختلاف، فما كان إلا أن استقبلهم وزير السياحة هناك وهنّأهم.
تربّى المغاربة تربية الملوك، تربيةً مبنيّة على كرم الضيافة واحترام الآخر، فكان وجودهم في ساحل العاج واحترامهم للشعب الإيفواري وتقاليده وثقافته أثراً كبيراً لدى الساكنين، الذين رقصوا وحملوا أعلام المغرب وقمصان نجومه في الحارات والملاعب، إنها ثقافة الاعتراف المتبادلة بين الشعوب التي تحترم نفسها قبل احترام الآخر.
المملكة كباقي دول العالم، تمرُّ بأزمة اقتصادية، إضافة إلى الجفاف الذي يخيّم منذ خمس سنوات، إضافة إلى بعض السياسات الحكومية الخاطئة، وبعض المفسدين. لكن لا للأصوات التي تتاجر بمشاكل الناس وتزايد بها، وتصرّ دوما على نشر التيئيس وتضخيم أسباب التشاؤم وتعمل على إحباط الهمم، وأحياناً تسعى لتشويه صورة الوطن.
نساند كل الأصوات المُحبّة والغيورة على مستقبل هذه البلاد والعباد، والتي تسعى إلى المشاركة الفعلية في الإصلاح العام وتجسيد المواطنة الحقيقية واحترام القانون ونشر التفاؤل والطمأنينة بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وعلينا نشر عوامل الأمل والكثير من الثقة بالذات وبالمجتمع والمؤسسات.
على هذه الأرض، في هذه المملكة الشريفة، نحن ضد الفساد والريع واستغلال النفوذ، ومع كل من يعمل في سبيل ذلك على أساس قناعة ثابتة بأن الوطن أغلى من كل شيء وفوق كل اعتبار، احتراماً للتاريخ والجغرافيا، احتراماً لشعارنا الخالد الله الوطن الملك.
ليس في الوطنية درجات ولا في الخيانة، الوطن غالٍ بكل ما يمثّله وما يرمز إليه، الهوية والثقافة والقيم والإنسان المغربي. إنه إرثنا الذي من المفروض الحفاظ عليه لأجيالنا القادمة في ظل إمبراطورية قوية بتاريخها وبشعبها وبتطلعاتها وبروافدها الفكرية والنهضوية الموحّدة تحت ثوابته الوطنية.
أخيراً، لنا إرث هو اعتزازنا بالانتماء المشترك لهذه البقعة الجغرافية الآمنة، شعبها قادر على حل مشاكله تحت السقف الوطني الجامع للكل، وضمن إطار مؤسسات الدولة المستندة إلى الدستور وركائزنا القيَمية، وخياراتنا السياسية والديمقراطية.
كلنا مسؤولون أمام الله من أجل حماية الوطن، ونسأل عن هذا الإرث التاريخي وضمان استدامته، وتحقيق المزيد من المكتسبات من أجل أولادنا ووطننا وملكنا ومملكتنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور عبد الله العبادي – كاتب صحفي، محرر الشؤون العربية و الأفريقية في صحيفة الحدث الأفريقي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً