بقلم الدكتور محمدعياش*
البروفيسور بول كيندي الفيلسوف البريطاني الشهير، وصاحب كتاب “صُعود وأُفول القوى العُظمى” الذي باع حوالي مِليوني نُسخة عندما صدر عام 1987 وتُرجم إلى 23 لغة من بينها العربيّة، يُحَدِّد مجموعة من الأسباب لأُفول الإمبراطوريات، أبرزها تمدّد عسكري أكبر من قُدراتها الاقتصاديّة، وانفِجار الصّراعات الداخليّة، وظُهور قوى عُظمى مُنافسة.
“اليوم قررت أنْ أخبركم بكل ما يجري وإلى أين يتّجه العالم في ظل كل المتغيرات الذي حصلت طيلة (400) عام، تذكرون عام 1717 الذي كان ولادة العالم الجديد.. وتذكرون أن أول دولار طبع عام 1778 ولكي يحكم هذا الدولار.
كان العالم بحاجة إلى ثورة فكانت الثورة الفرنسية عام 1789، تلك الثورة التي غيّرت كل شيء، وقلبت كل شيء ومع انتصارها انتهى العالم الذي كان محكوماً طيلة 5000 سنة بالأديان والميثولوجيات، وبدأ نظام عالمي جديد يحكمه المال والإعلام.. عالم لا مكان فيه لله ولا للقيم الإنسانية.
الولايات المتحدة الأمريكية تتبع نظام ‘‘الشمعة’’ بالاحتراق، أي أن «إسرائيل» الخيط المرافق لها، لذلك نجد الكثير من الأصوات وإن كانت قليلة بعض الشيء، تطالب بالانعتاق من الهيمنة اليهودية في البلاد، وتحذّر بدورها من الانهيار الحتمي والذي سيكون السبب الرئيس فيه؛ الدعم اللامتناهي للكيان الصهيوني.
نجد على سبيل المثال الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان 8 مايو/ أيار 1884 – 26 كانون الأول ديسمبر 1972م عندما عبّر عن امتعاضه من السيطرة والتحكم اليهودي بالبلاد والعباد وقال قوله الشهير: “إن السيد المسيح لم يستطيع أن يلبّي مطالبهم، فكيف أستطيع أنا أن أفعل ذلك”.
“أحذركم من التمادي في خدمة الدولة المفضّلة” طبعاً لم يقل جورج واشنطن، صاحب هذا التحذير، ما قاله في خطابه الوداعي للعمل السياسي عام 1796، إلا بعد أن سبر أغوار التغلغل اليهودي داخل الولايات المتحدة، واطّلع على نيات اليهود، وأدرك ماذا يريدون من القوة الأمريكية المرتقبة، وماذا يفعلون لتحقيق هذه الإرادة.
وجاء اعتراف جورج بوش ليتوّج التعبير الأمريكي عن التعب العسكري والسياسي والروحي والاقتصادي والأخلاقي الضاغط على شعب أمريكا ومؤسساتها وهيئاتها، بسبب ضغوط اليهود ومطالبهم، جاء ليقول بصراحة، لقد مللنا التعب، وكفانا صمتاً على التدخل بشؤوننا الداخلية والخارجية، عندما أعلن بوضوح وكفى لقد أصبح الأمر مملاً، أن تجد أكبر قوة في العالم، هي الولايات المتحدة، أن سياستها في الشرقين الأوسط والأدنى تُملى بوساطة «إسرائيل».
وعلى الرغم من هذا كله، فقد قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر: “يساورني القلق على ولدي، إذا شبّ كيهودي في أمريكا”. وكيسنجر نفسه يدرك مدى التغلغل اليهودي في أمريكا، ويعلم يقيناً حجم التعب الضاغط على شعب أمريكا، ومع هذا، فهو قلق على ولده!! لماذا؟ لأنه قرأ من بعيد خطورة الخلل في جدار العلاقة القائم على ركيزتين غير متكافئتين في الأخذ والعطاء. ويقولها بوضوح:” على اليهود أن يبحثوا عن قوة عالمية، قد يكون حضورها الفعال قريباً على الساحة الدولية”.
وهذا التعب الأمريكي، والقلق اليهودي، يفرضان أسئلة كثيرة تتعلق بمستقبل العلاقة بينهما من جهة، وبالقوة اليهودية البشرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية داخل أمريكا من جهة ثانية. ومن أجل ذلك نلحظ الوقاحة التي يبدو عليها ما يسمى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وتشدده بوجه الإدارة الأمريكية، وهذه المرة متكئاً على حكومة فاشية متطرفة هي الأخطر على القضية الفلسطينية وعلى العالم برمته.
قطعاً هناك رضى وتساهل منقطع النضير مع الرؤية الصهيونية النازية فيما تفعله في قطاع غزة من جرائم تندى لها الجبين، وتُعتبر غير مسبوقة، وهذه الموافقة على هذه الأفعال الشنيعة تعطي الغرب ‘‘الضامن’’ للكيان الصهيوني حالة من الاطمئنان لأنه هو رأس الحربة في منطقة الشرق الأوسط حيث الاستثمارات والقلاقل والنزاعات..
إن الحرب في غزة هي عنوان الصراع بكل أبعاده الثيوقراطية والاقتصادية، إذ لا يمكن أن تنتهي إلا بهزيمة طرف، أو أي حل سياسي فيه الكثير من الغموض، لأن الكيان الصهيوني كالوحش الجريح فكل ما يرشح من تصريحات من الثلاثي: نتنياهو، غالانت، غانتس كلها متفقة على محو حركة حماس من الحياة السياسية ولو كلف ذلك أثمان باهظة بالأرواح والمعدات، بالتزامن مع تصميم المقاومة على النصر حتى آخر طفل في القطاع.
واشنطن تستطيع أن تأمر إسرائيل بالتوقف عن المغامرة الخاسرة، لأن حماس فكرة والفكرة لا تموت، والحاضنة الشعبية في القطاع كلها تلتف خلف المقاومة، لكن العدو يريد تسجيل إنجازٍ يقدّمه للرأي العام الإسرائيلي يكون مقنعاً لوقف إطلاق النار في ظل التخبط والضياع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً