بقلم الدكتور محمدعياش*
منذ سنوات يشتكي نتنياهو من محاولات الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولهاثها وراء امتلاك أو حيازة سلاح نووي، يكون بمثابة القوة الوطنية الرادعة بوجه الإمبريالية العالمية التي تقودها دولة مملكة الشيطان الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل أكبر الخاسرين من تحقيق ذلك.
إن الهجوم الصهيوني على إيران صبيحة الجمعة 13/6/2025 يونيو/حزيران، محاكاة لطبيعة الهجوم الممنهج على حزب الله، بداية من تفجير البيجرات، وانتهاءً باغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وما بين البداية والنهاية استطاعت إسرائيل أن تصفّي قادة الصف الأول والثاني وربما الثالث، ولا تزال تطارد الذين يمثلون الحزب على الأراضي اللبنانية، وبالتالي فإن هذا النموذج أو السيناريو الناجح في نظر القادة الصهاينة سُحب على إيران، لا سيما وأن الساحة الداخلية الإيرانية مُخترقة؛ فقد عاث الموساد الصهيوني على الأرض الإيرانية فساداً وشراء للذمم والجواسيس، وأوجد له قواعدَ ومنشآتٍ صغيرة للغاية ذاتها.
أخطأت طهران، عندما وقفت متفرّجة على الكارثة التي حلّت بحزب الله، ولم تحاول الدفاع عنه، ما أغرى الكيان الصهيوني بالتخلص من رأس النظام السوري الحليف القوي لها، وبالتالي فإن لعبة أحجار الدومينو وصلت إلى إيران، وهذه المرة كانت حرباً مباشرة، وأخطأت أيضاً عندما لم تساند المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة إلا من المساندة المعنوية والاحتفالات السنوية بيوم القدس العالمي، والوعيد بزوال الاحتلال.. الخ.
السؤال الذي يدور في رأس كل متابع للسياسة، لماذا شنّت إسرائيل الحرب على إيران؟ الجواب وبكل شفافية وموضوعية، التخلص من الأدوات التي ساهمت بالبروباغندا الصهيونية طيلة السنوات الماضية، وذلك عقب معركة “طوفان الأقصى” التي أعلنتها المقاومة الفلسطينية صبيحة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وكل اعتقادها الراسخ بأن الجبهات الأخرى وعلى رأسها إيران ستنخرط فوراً بالمعركة، لأن بدايتها -أي المعركة- شكّلت صدمة وحالة من الشلل الكامل للقيادة الصهيونية التي إلى هذه اللحظة تلوم بعضها البعض بالتقصير وعدم أخذ المخاطر على محمل الجِد، بالإضافة إلى أزمات نتنياهو التي لا تنتهي.
أعتقد أن اغتيال رئيس حركة حماس اسماعيل هنية في طهران 31 تموز/يوليو 2024 رفعاً للحرج على شخصيته التي كلما اندلعت الحرب في القطاع تجده خارج القطاع! والحرج الذي لازم حسن نصرالله أيضاً بالرغم من دخوله المعركة وانفصاله تنسيقياً مع طهران، وهذه الأخيرة تخلت بالمطلق عنه ولم تحاول إسناده ودفع الأذى عنه وعن الحزب بشكل عام، بل تركته لمصيره، الأمر الذي يبعث على الريبة والشك، وحتى جماعة أنصار الله اليمنية، أكثر من مرة صرّحت طهران بأنها لا تفرض رأيها على الجماعة ولا تتحكم بقراراتها! واليوم تدفع ثمن التنصل والنكوص، وينطبق عليها المثل “أُكلت يوم أكل الثور الأبيض”.
الضربة القاصمة التي كسرت ظهر إيران، هي سقوط نظام بشار الأسد، الذي يعتبر الجسر الحيوي الواصل من طهران إلى جنوب لبنان مروراً بدمشق، كل هذه الخسارات والشعارات القديمة، تمّ إبطالها وتوقف مفعولها في الوضع الراهن الذي لا يقبل التقية السياسية، فإسرائيل وواشنطن لديهما البارومتر، المقياس الحقيقي لانكشاف الأدوات، وهما اللذان يقرران طبيعة الصلاحية من عدمها، فالنظام السوري وممانعته وعناده وحتى خطاباته كانت مبرمجةً ومتّفقًا عليها، لأن إسرائيل وضعت الفيتو ومنعت من سقوطه ووصفته إحدى الصحف الإسرائيلية “مُلك إسرائيل”، والكل يتذكر التصريح القوي الذي أطلقه رجل الأعمال وابن خاله رامي مخلوف، أمن إسرائيل من أمن سوريا، في صورة واضحة لا تحتاج لشرح أو دليل.
العمل جارٍ على التخلص من النموذج المكشوف، فإيران وهشاشة الداخل، وتغلغل الموساد الصهيوني في أراضيها لا يمكن أن يكون بعيداً عن التنسيق مع الحرس الثوري، وحتى المرشد، وهي التي تتشدق بترسانتها العسكرية الموجودة تحت الأرض، ودوّخت واشنطن بالمفاوضات، وجولات الجنرال قاسم سليماني في أربع عواصم عربية كالمنظّم والضابط لهم، كل هذا وذلك الضجيج، خزعبلات وتصريحات ترامب وثقته العالية بالاستسلام أو النهاية الحتمية لهذا النهج يدلّ على أنّ من صنع هذه الهالة الإيرانية هي المنظومة الغربية ورعتها وجعلتها بعبعاً تخوف فيه جيرانها العرب.
أعتقد أن هذه الحرب ليست وجودية بالحرف الواحد، بالرغم من الادعاء والتمظهر، فالحرب الحقيقية التي أزعجت وتقلق واشنطن هي معركة طوفان الأقصى التي لا تزال مستمرة رغم الآلام والجراح والعذابات، أما دونها فهي بين الصانع والمصنوع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز JSM وإنما تعبّر عن رأي كاتبها حصراً
