بقلم الدكتور آصف ملحم
وفق الأخبار التي تبثها العديد من وكالات الأنباء، فإن قصف محطة زاباروجيا النووية أصبح تقليداً أوكرانياً يومياً؛ وتوحي هذه الأنباء بأن القصف هو عملية مقصودة، تسعى كييف من خلالها إلى الحصول على مكاسب سياسية ما؛ إذ أننا لا نعتقد أنهم في كييف أو أوروبا يجهلون خطورة ضرب المفاعل النووي ذاته أو ضرب مخزون المواد النووية المشعة أو النفايات المشعة، الأمر الذي قد يؤدي إلى حصول تسرب إشعاعي، سيصل غباره إلى كل أرجاء القارة الأوروبية وستصعب إزالة آثاره ولو بعد عقود!
وفي هذا السياق، فلقد بين السيد مكسيم بوياكيفيتش، نائب الممثل الدائم لروسيا في المنظمة الأوروبية للأمن والتعاون، في الإجتماع الخاص الذي انعقد بتاريخ 9 آب الجاري بأن أي حادث في محطة زاباروجيا فإنه لن يؤدي إلى حدوث تلوث نووي في أوكرانيا فقط بل أن هذا التلوث سيمتد إلى المناطق الحدودية الروسية وإلى جمهوريات بيلاروسيا وملدافيا وبلغاريا ورومانيا. علاوة على ذلك، فإن تلوث الأوردة المائية المتصلة بالبحر الأسود سيؤدي إلى انتقال العناصر المشعة إلى جميع الدول التي تشاطئ هذا البحر. ودعا بوياكيفيتش الأمم المتحدة و الوكالة الدولية للطاقة الذرية و المنظمة الأوروبية للأمن والتعاون إلى الضغط والتأثير على كييف للتوقف عن عمليات القصف هذه، مبدياً استغرابه من غياب ردات فعال حازمة في الدوائر السياسية الأوروبية تجاه هذا الموضوع الحسّاس؛ الذي قد يؤدي إلى حصول كارثة نووية تشبه كارثة تسيرنوبيل!
على هذه الخلفية تبرز الأسئلة:
لماذا تُصِر القوات الأوكرانية على ضرب محطة زاباروجيا النووية؟
فهل هناك أمل عند كييف من إستثمار عمليات القصف هذه سياسياً؟
في جمهورية دونيتسك الشعبية، يقولون: إن كييف بهذه الطريقة تسعى إلى الضغط على المجتمع الدولي بهدف إرسال قوات حفظ سلام إلى مقاطعة زاباروجيا، وهذه الرواية نقلتها وكالة ريا نوفوستي الروسية عن المسؤولين هناك. نعتقد أن هذا الرأي لا يجانب الصواب؛ إذ أن إدخال قوات دولية إلى تلك المقاطعة سيؤدي إلى إحراج روسيا ويعيق تحرك قواتها في تلك المنطقة!
ولكن هل يمكن إدخال قوات حفظ سلام بدون غطاء دولي؟
وهل من الممكن أن توافق روسيا على مثل هذا الاقتراح في مجلس الأمن، وهي تتقدم بخطىً حثيثة في تلك المنطقة، كما أنها أعلنت منذ أيام بأنها ستقوم بنفسها باستثمار محطة زاباروجيا النووية؟
أعتقد أن الإجتماع الطارئ لمجلس الأمن الدولي، الذي دعت إليه روسيا بتاريخ 12 آب الجاري يقدم لنا الإجابة، فلقد حاولت الدول الغربية تحميل روسيا مسؤولية ما يحدث في محطة زاباروجيا؛ وكأن بنك الأهداف عند الجانب الأوكراني قد نفذ، و الهدف الوحيد المتبقي هو المحطة النووية، مع ما يمثله هذا الهدف من خطورة كبيرة على العالم كله! بالمقابل قدّم الجانب الأوكراني رواية متناقضة ومناقضة للواقع؛ إذ اتهم روسيا بقصف المحطة، مع العلم أن القوات الروسية تسيطر على تلك المحطة منذ نهاية شباط الماضي، في حين أن عمليات القصف الأوكرانية للمحطة تكثفت فقط في الأسابيع الأخيرة.
يبدو واضحاً أننا أمام مقامرة ومغامرة حقيقية، تقوم بها كييف بدعم غربي مباشر، فهم بهذه الطريقة يحاولون إحراج روسيا أمام الرأي العام العالمي وقلب الحقيقة وإظهار الأمر بأن روسيا ستكون هي المسؤولة عن حدوث أي كارثة في ثاني أكبر محطة نووية في أوروبا.
كما أننا أمام قيادة أوكرانية غير واعية وغير مسؤولة عما تقوم به، ويبدو أنها قد فقدت السيطرة على القرار العسكري والسياسي في البلاد؛ لذلك فعلى الأوروبيين أن يفهموا خطورة هذه المقامرة و يصحوا من سباتهم العميق؛ فروسيا لن تتراجع عن تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية في أوكرانيا، كما أن روسيا رحّبت بوجود بعثة من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في محطة زاباروجيا لمراقبة عملها، وهذا يُثبت حسن نواياها ويضع الكرة في ملعب الدول الغربية، التي ترعى وتدعم نظام كييف.
صحيح أن السلوك الأوكراني في هذه المسألة تحديداً هو سلوك طائش وغير مسؤول، لا بل إنه يفتقد الحد الأدنى من الأخلاق، إلا أن هذا الطيش هو صناعة غربية بامتياز، فلا عجب أن يصيبهم الضرر مما صنعوه بأيديهم.
لذلك، على الغرب أن يعي حجم الكارثة التي قد تنجم عن الإصرار على السير في هذا الطريق، وبالتالي عليهم فتح قنوات الحوار مع روسيا و أوكرانيا وتشجيع الشعب الأوكراني على المضي بالحل السياسي بدلاً من صب الزيت في نيران الحرب المتقدة؛ فتقليل الخسائر هو ربح حقيقي للجميع، و يجب اغتنام أي فرصة لتحقيق السلام قبل فوات الأوان!
= = = = =
*هذه المقالة نشرت أولاً في صحيفة رأي اليوم اللندنية بتاريخ 17 آب 2022.
للإطلاع عليها انقر هنا.