بقلم الدكتور آصف ملحم*
ظهرت على شبكة الإنترنت مجموعتان من الوثائق، تتضمّن تقديم مساعدات عسكرية من أذربيجان إلى أوكرانيا، وقد نُشِرت هذه الوثائق في توقيت متقارب، وهذا دليل على أنّ هنالك جهة واحدة تقف وراء هذا الموضوع!
كما أن نشرَ هذه الوثائق جاء بعد اتّهام الرئيس الأذربيجاني (إلهام علييف) وزارةَ الدفاع الروسية بالإخلال بالتزاماتها حول إقليم ناغورني كاراباخ، بتاريخ 15 تموز 2022. فوفقاً لما تمّ نقله عن علييف، فإن القوات الروسية تعهّدت بخروج القوات الأرمينية من الإقليم بنهاية حزيران 2022، وذلك تنفيذاً للاتّفاقية الثلاثيّة التي تمّ توقيعها في تاريخ 10 تشرين الثاني 2020. لذلك من المرجّح أن تكون الغاية من نشر هذه الوثائق هي توتير العلاقات بين روسيا وأذربيجان.
سنحاول مناقشة الخيارات والاحتمالات حول هذه الوثائق؛ نحن أمام احتمالين:
1-هذه الوثائق مزوّرة.
2-هذه الوثائق غير مزوّرة.
المجموعة الأولى
هذه المجموعة كانت منشورة على الموقع 2ch، وهو منتدىً للحوار بين الناس. والسؤال حول من قام بنشرها على موقع ذلك المنتدى يبقى قائماً!
بالتأمل في بوليصات الشحن، العائدة إلى شركة الطيران الأوكرانية ميريديان – وهي شركة مسجلة كشخصية اعتبارية تحت الرقم 32549596، بتاريخ 11 تموز2003 – لمالكها ومديرها (ألكساندر ألكساندرفيتش بوغدانوفيتش)، وهي أول شركة طيران أوكرانية خاصة. ووفقاً لما هو منشور على موقعها الرسمي؛ فهي تتعاون بشكل وثيق مع الأمم المتحدة ومع حلف الناتو لنقل الشحنات المُستعجَلة، بمافي ذلك العسكرية وثنائية الاستخدام. هذه الشركة تحمل الكود MEM في المنظمة الدولية للطيران المدني ICAO. رقم الرحلة من السودان إلى بولونيا MEM5002.
قبل كل شيء، لابدّ من الإشارة إلى أنه توجد في أوكرانيا شركتا نقل تحملان اسم ميريديان، وهما:
Meridian Ltd, ICAO-code: MEM, ICAO Callsign: Meridian Cherry
Meridian, ICAO-code: POV, ICAO Callsign: AIR POLTAVA
الوثائق التي بين أيدينا تعود للأولى، أي Meridian Ltd.
في هذه الوثائق توجد عدة ملاحظات تجعلنا نرجّح أنها مزوّرة:
1-اللوغو الموجود على بوليصات الشحن يختلف عن اللوغو الموجود على الموقع الرسمي للشركة.
2-على اللوغو تمت كتابة اسم الشركة باللغة الروسية، МЕРИДИАН، مع العلم أنّ اسمها باللغة الأوكرانية МЕРИДІАН.
3-ألوان اللوغو واضحة جداً، وهذا يعني أنه لم يتم سحبه على السكانر، بل تم رسمه على الفوتوشوب أو أي برنامج رسم آخر.
4-حول الشركة الأوكرانية المستوردة للأسلحة، وهي شركة UkrSpetsExport.
تمت كتابة رقمي هاتف ورقمي فاكس (انظر الشكل).
بالعودة إلى موقع الشركة نلاحظ أن الرّقمين:
+380(44)461-97-59
+380(44)489-07-58
هما رقما هاتف وليسا رقمي فاكس.
كما أن الرقم
+380(44)458-46-81
فهو رقم يعود إلى ukroboronprom
أما الرقم
+380(44)461-95-03
فهو يعود إلى شخص اسمه شيفتشينكو ب.، Шевченко Б.، موجود على إحدى الوثائق التي تعود إلى عام 2020، ويبدو أنه منفذ исполнитель في تلك الوثيقة.
5-التوقيع غير واضح كما أنه يوجد حوله تظليل يشبه المربع وهو أغمق من محيطه، وتمييزه بالنّظر سهل وهذا دليل على أن هناك مَن نسخه من وثيقة أخرى.
6-أما اسم الشركة المُصنّعة:
CIHAZ industrial association of ministry of the defence industry of the republic of Azerbijan
فهي غير موجودة ضمن قائمة الشركات على موقع وزارة الدفاع الأذربيجانية.
حول مدير هذه الشركة فلاح غولييف Falah Guliyev لا يوجد الكثير من الأنباء سوى أن الرئيس الأذربيجاني كرّم العاملين في وزارة الدفاع الأذربيجانية، وهو واحد منهم.
7-التوقيع والختم يبدوان بوضوح أنّهما مقطوعان قطعاً، كما أن الأحرف واضحة جداً وهذا دليل على أنها غير مسحوبة بالسكانر.
جميع هذه القرائن تدل على أن هذه الوثائق مزوّرة.
ومن قام بتزويرها، قام بذلك اعتماداً على وثائق قديمة لديه.
المجموعة الثانية
المنشورة على موقع قناة الجزيرة، ولكن لم تتم الإشارة إلى مصدرها، لذلك فالسؤال عن كيفية الحصول عليها يبقى قائماً.
يوجد العديد من الملاحظات حول هذه الوثائق:
1-تم توقيع العقد من قبل شخص اسمه آذر محمادوف Azer Mammadov، وهو على ما يبدو مدير مورِّد، اسم شركته Senayacihaz SPE، تابعة للشركة المُصنّعة CIHAZ، التي تكلمنا عنها في ما سبق. ولكن لا توجد معلومات عن هذا الشخص ولا عن الشركة في الإنترنت.
2-تم توقيع رسالة باسم نائب المدير العام Ilgar Bahadirov، أيضاً لا توجد معلومات عنه.
3-تمت الإشارة إلى الموقع الإلكتروني للشركة CIHAZ وهو غير واضح على الإطلاق، ولكن هو:
إما cihazb.az أو cihazib.az أو cihazrb.az
ولكن جميع هذه المواقع لا وجود لها.
4-تمت كتابة اسم الشركة مرة CIHAZ ومرة CHIHAZ.
5-تم وضع رقم هاتف على إحدى الرسائل:
+99412 562 93 22
بالبحث عن رقم هذا الهاتف على النت نجده تابعاً لشركة اسمها كما في الشكل:
6-الغريب أنه تمت كتابة وثائق المجموعة الثانية كلها باللغة الانكليزية، مع العلم أن الجهة المُصدّرة هي نفسها في الحالتين، وكذلك المستوردة هي جهة أوكرانية.
هذه الحقائق أيضاً تؤكّد أنّ هذه الوثائق مشكوك بمصدرها.
بغضّ النّظر عن كون هذه الوثائق مزوّرة أم لا، فقد تقف وراءها الأطراف التالية:
1-أوكرانيا.
2-روسيا.
3-طرف ثالث.
سنناقش كلّ احتمال منفرداً!
1-أوكرانيا:
لا مصلحة للجهات الرسمية في أوكرانيا بنشر مثل هذه الوثائق، سواء أكانت مزوّرةً أو غير مزوّرة.
لأنه إذا كان بالفعل تمّ توريد أسلحة إلى أوكرانيا من أذربيجان، فكشف هذه القضية سيؤدي إلى الإساءة إلى العلاقات الأذربيجانية-الأوكرانية، وهذا ما قد يجبر أذربيجان على التوقف عن توريد الأسلحة إلى أوكرانيا.
قد تكون القيادة الأوكرانية متفككة، ولا يوجد تنسيق بين القيادة السياسية والعسكرية والأمنية، وقام أحد بتسريب هذه الوثائق، ولكن بما أننا أمام وثائق مزوّرة على الأغلب، فهذا الاحتمال مستبعد تماماً.
قد يكون هنالك ناشطون أوكرانيون، قد تبرّعوا لتزوير هذه الوثائق بهدف رفع معنويات الجيش الأوكراني والشعب الأوكراني، ولكن وجود كتابة باللغة الروسية على لوغو شركة ميريديان يدحض هذا الاحتمال تماماً، لأن المواطن الأوكراني والعامل في مجال الإعلام لا أعتقد أنه لا يفهم أن لوغو أي شركة أوكرانية يجب أن يكون باللغة الأوكرانية لا الروسية، وخاصةً أن هذه الشركة معروفة في أوكرانيا، ولها موقع على النت يعرفه الجميع، كما أن وثائقها منشورة على الكثير من المواقع الرسمية ويستطيع أي شخص الحصول على بياناتها بسهولة تامة.
أو قد تكون مجموعة من الناشطين الأوكرانيين الأغبياء الذين قاموا بتزويرها حسب معرفتهم، وبالتالي هذه المسألة لا قيمة لها سوى بعض الضجة الإعلامية، لأن كشف التزوير سهل جداً.
2-روسيا:
بهدف إشغال الرأي العام عن طلبات الرئيس الأذري حول سحب القوات الأرمينية من كاراباخ!
هذا الاحتمال مستبعد تماماً.
لأنه قد يتم إشغال الرأي العام لفترة من الزمن، ولكن بعد عدة أسابيع سيتم طرح مسألة انسحاب القوات الأرمينية من جديد. كما أن روسيا نفسها هي من رعت الإتفاق الثلاثي مع أرمينيا وأذربيجان، ومن مصلحة روسيا أن تحافظ على العلاقة مع أذربيجان وتركيا في هذه الظروف.
أما إذا كانت الوثائق حقيقية، فتستطيع روسيا مخاطبة أذربيجان عبر القنوات الرسمية لمعالجة هذه المسألة قبل وصولها إلى الإعلام. كما أنه لا مصلحة لأذربيجان نفسها للقيام بمثل هذه العمليات لأن علاقتها جيدة مع روسيا.
3-طرف ثالث:
نشر هذه الوثائق من قبل موقع قناة الجزيرة بتاريخ 19 تموز، أي قبل يوم واحد من نشرها في أحد المنتديات الأوكرانية، يُرجّح أن تكون إحدى الجهات التابعة لحلف الناتو وراء الموضوع. فسياسة قناة الجزيرة يتم رسمها في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن قطر ترتبط بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة.
وهذا الاحتمال هو المرجّح، لأن الطرف الذي قام بتزوير هذه الوثائق لا يميّز اللغة الروسية عن الأوكرانية. كما أن وجود أرقام لجهات متفرقة في أوكرانيا دليل على أن الطرف الثالث هذا لا يعرف كل التفاصيل عن الشركات الواردة في هذه الوثائق.
بناءً على ما تقدّم، فإننا نعتقد أن مصدر هذه الوثائق هو أحد الأطراف في حلف الناتو، ولهذا الطرف مصلحة مباشرة في توتير العلاقة بين روسيا وأذربيجان، وبين روسيا وتركيا، خاصةً أنها برزت بعد أيام من تصريح الرئيس الأذربيجاني حول التزامات روسيا في كاراباخ.
يمكن الاطلاع على جميع هذه الوثائق على الروابط:
-قرص غوغل:
المجموعة الأولى
المجموعة الثانية
-الفيسبوك
تحدثتُ عن الأبعاد السياسية لنشر هذه الوثائق في مقالتين منفصلتين:
أسلحة أذربيجانية في أوكرانيا … لمصلحة من إشعال إقليم كاراباخ؟!
الصراع في كاراباخ … إلى الواجهة من جديد!
سأكون في غاية السعادة بتلقّي ملاحظاتكم واقتراحاتكم لإغناء هذا التحقيق مع جزيل الشكر سلفاً.
= = = = =
*الدكتور المهندس آصف ملحم – مدير مركز جي إس إم للأبحاث والدراسات
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً