بقلم الد كتور محمد عياش*
يقول نيكوس كازانتزاكيس: «إنّ القاعدة الغامضة في مسار التاريخ البشري لا تخطئ: في البداية؛ الشر هو الذي ينتصر، وفي النهاية خسارته حتميّة. لكن ما بين الخسارة والانتصار، الطريق طويل، شاقّ، مليء بالعذاب والألم والدماء، وأكفان الأطفال البيضاء، التي ترشح منها الدماء».
يقول المؤرّخ الإسرائيلي إيلان بابيه: «إنّ فهم جوهر الصراعات يكمنُ في التاريخ، لأنه يوفّر الفهم الحقيقي غير المتحيّز للماضي»، كما أنّ تشويه التاريخ أو التلاعب به «يؤزّم المشهد ويجعله أكثر تعقيداً وبعيداً عن الحل». ويقرّ بأنّ تشويه التاريخ يشجّع على انتشار الاضطهاد، ويحمي نظام «إسرائيل» الذي يصفه بالاستعماري والاستيطاني. ليست هذه الشهادة الوحيدة لكبار المؤرّخين اليهود.”
إذا أردنا أن ندرك ماهيّة الأسباب التي ولدت في الماضي، وأدّت إلى النتائج التي نعيشها ونختبرها اليوم، لاسيما ما يتعلق منها بالوضع الدولي السيء والوضع الداخلي القلق للأمم، فإنه يجب دراسة التاريخ لأن التاريخ يكرّر نفسه دوما ً، لأنّ هدف الصراع المستمر ما انفكّ أبداً هو نفسه منذ أزمنة سحيقة، ونعني به الصراع الدائم القديم بين قوى الخير وقوى الشر للسيطرة على العالم.
الذي حدث هو أنّ كلاًّ من قوى الخير والشر انقسمت بدورها إلى جهات عديدة – ولا تزال – وهي تتوزع بين هذه الجهات التي تصارع كل منها جهة من الفئة المعاكسة، وتعمل على حدة في سبيل بلوغ الهدف الذي تسعى إليه الجبهة التي تنتمي إليها.. تتناهى إلى الجماهير هذه الخلافات في الرأي بين هذه الجهات المختلفة عن طريق أجهزة الدعاية والإعلام، ولكن يغلب في هذه الأجهزة أن تستعمل إلقاء الأكاذيب أو نصف الحقائق إلى الجماهير عوضاً عن أن تنقل إليها الحقائق الكاملة غير المزيفة أو المنمقة المتعلقة بأية حادثة وبأي موضوع.
مناسبة الحديث عن التاريخ وتسليط الضوء على الأيادي الخفيّة التي تحرّك وتحبك المؤامرات ليل نهار ما يسمى رئيس حكومة العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو، الذي يقرأ من أسفار التوراة عن العماليق ووجوب قتلهم من الطفل حتى الكهل ومن الشجر حتى الحجر، ولكن دون أن يرتدي (الكيباه) على رأسه كما يفعل الكثير من الصهاينة المتشددين.
بالعودة إلى التاريخ.. قفزت إلى الذاكرة جماعة اليهود المتمردة على رسالة موسى وهم جماعة «العجل الذهبي»، هذه الجماعة التي ما التفتت في يوم من الأيام إلى شريعة موسى وظلوا على عهدهم القديم بتأجيج المؤامرات وبثّ الفرقة في المجتمعات التي يسكنون بينها؛ إلى أن وصلت بهم الأمور بالتحديد إلى القرن السابع عشر، حيث عاش رجل دين مسيحي وأستاذ لعلم اللاهوت في جامعة (انغولدشتات) الألمانية يدعى (آدم وايز هاوبت) بيد أنه ارتدّ عن المسيحية ليعتنق الإلحاد وتقمّصت فيه روح الشر الإلحادية بشكل خبيث.
وجد كبار المرابين اليهود في ألمانيا بغيتهم فيه، حيث كلّفوه بمراجعة بروتوكولات حكماء صهيون القديمة وإعادة تنظيمها على أسس حديثة بهدفِ وضعِ خطة للتمهيد لكنيس الشيطان للسيطرة على العالم عن طريق فرض عقيدة الإلحاد والشر على البشر جميعاً، أو على الأصح على من يتبقّى منهم في حال نجاح المؤامرة في تدمير المجتمعات والشعوب والأمم وإثارة المجازر والمذابح والثورات وإقامة الأنظمة الإرهابية الدموية وتخريب الحكومات القائمة على مبادئ الخير والعقائد الصحيحة.
نتنياهو يعتبر نفسه وريث وحامل راية الخير بوجه العالم الذي يشك بأحقية «إسرائيل» في العيش. وبالتالي فإن النظرة للحوييم أي من غير اليهود، تبقى ثابتة من وايزهاوبت إلى نتنياهو، ولا أبالغ في أن الصهيونية العالمية استطاعت استيلاد الشيوعية مقابل النازية وأنّها وآلتها الإعلامية من روّجت للإلحاد الأحمر (الشيوعية) والأزرق (النازية) بعد أن تشرّبوا من تعاليم وايزهاوبت ووصاياه المدوّنة في كتب كثيرة.
يعني ذلك أن نتنياهو (لوسيفر) حامل الضوء أو النور باللغة اللاتينية، وعليه فإن العالم بأمسّ الحاجة إليه في الوقت الراهن لأنه «المخلّص» والمنقذ من الشر القادم من الشرق، وأدواته معروفة مسبقا ً المعاداة للسامية، وأعداء الحضارة مع بروز مصطلح، «الحيوانات البشرية» الذي وصف به المقاومة الإسلامية في قطاع غزة، مع توجيه النصائح للدول الأوروبية بمساندته ودعمه بالقضاء عليها لأنها ستصل واشنطن ولندن وباريس في حال انتصرت حسب زعمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً