بقلم الدكتور محمدعياش*
يؤكد مدّعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إن العدالة يجب أن تتحقق، بعد السعي للحصول على مُذكّرَتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت، وذلك خلال حديثه لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”. وقال خان على إنه من المهم أن نظهر أنّ المحكمة ستحاسب جميع الدول وفق نفس المعايير فيما يتعلق بجرائم الحرب المزعومة. كما رحّب بقرار الحكومة البريطانية الجديدة بالتخلّي عن معارضتها لمذكرات الاعتقال، وسحب الطعن القانوني الذي قدّمته حكومة حزب المحافظين السابقة.
وأشار خان في مقابلة بُثَّت اليوم الخميس 5/9/2024، أنّ “هناك اختلافاً في اللهجة، وأعتقد أنّ هناك اختلافاً في الجوهر في ما يتعلق بالقانون الدولي من قبل الحكومة الجديدة. وأعتقد أنّ هذا أمر مرحّب به”. وأكد أن المحكمة الجنائية الدولية بحاجة إلى طلب مذكرات اعتقال لقادة من كلا الجانبين، لضمان اعتقاد الناس في جميع أنحاء العالم بأن المحكمة تطبّق “القانون بالتساوي على أساس بعض المعايير المشتركة”. وطلب خان من قضاة المحكمة مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، بالإضافة إلى مذكرات اعتقال بحق ثلاثة من قادة حركة حماس، وهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية الذي استشهد بعد استهدافه في إيران، في 31 يوليو/ تموز الماضي، وقائد كتائب القسام محمد الضيف الذي أعلنت إسرائيل عن اغتياله، في يوليو الماضي، فيما لم تنفِ أو تؤكد حركة حماس هذا الخبر، ورئيس المكتب السياسي الحالي لحركة حماس يحيى السنوار.
وقال: “إذا تقدم أحدهم بطلب للحصول على مذكرات اعتقال في ما يتعلق بمسؤولين إسرائيليين وليس غزة، – سيقول البعض -“حسناً، هذا فحش” و”كيف يمكن أن يكون ذلك ممكناً؟”. وأضاف خان: “ليس بإمكانك اتباع نهج واحد مع البلدان التي تحظى بالدعم، سواءً كان ذلك دعماً من حلف شمال الأطلسي أو الدعم الأوروبي، والدول القوية التي تقف وراءك، ونهج مختلف حيث تتمتع باختصاص واضح”.
يدرك خان إنّ هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحمّلون المسؤولية الجنائيّة عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية 8 أكتوبر/ تشرين الأول فصاعداً. ولإصدار مذكرات الاعتقال، لا يزال تتعين على قضاة المحكمة الجنائية الدولية الموافقة على طلب إصدار المذكرات.
وقال خان إن نتنياهو وغالانت مشتبه بهما في ارتكاب جرائم، بما في ذلك تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب والقتل، وتوجيه الهجمات عمداً ضد السكان المدنيين والإبادة. واتهم قادة “حماس” بارتكاب جرائم، وقد رفض كل من إسرائيل و”حماس” هذه المزاعم. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إن طلب إصدار مذكرات اعتقال ضد زعماء إسرائيليين كان “مثيراً للغضب”.
غير أنّ خان قال لـ “بي بي سي” إنه على عكس منتقديه، فقد اطّلع على الأدلة التي استندت إليها طلبات المذكرات، وأضاف: “لدي ميزة واحدة على الأقل. آمل أن يعترفوا حتى بأنني رأيت الأدلة. لم يفعلوا ذلك. الطلب ليس عاماً. إنه سرّي. تم تقديمه إلى الغرفة. لذا فهم يخمنون الأدلة التي تم تقديمها”. وكشف خان في تصريحات إعلاميّة سابقة، عن أنه تعرّض لضغوط من بعض زعماء العالم لعدم إصدار مذكرات. وأكد هذه التصريحات في مقابلته الأخيرة، قائلاً: “أخبرني العديد من القادة وغيرهم ونصحوني وحذروني”.
وفي ما يتعلق بالحرب الروسية – الأوكرانية، قال خان إنه يعتقد أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “سوف يُرى داخل قاعة المحكمة”، مشيراً إلى حالات تاريخية لزعماء عالميين آخرين مثلوا أمام المحكمة. وقال: “لا شيء دائم. الحياة عابرة. وكل حياة سياسية تنتهي بالفشل”. ولم يتم القبض على بوتين خلال زيارته يوم الثلاثاء إلى منغوليا، وهي دولة موقعة على المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من مذكرة الاعتقال السارية بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة أثناء الغزو الروسي المستمر لأوكرانيا. والرئيس الروسي مطلوب بتهمة الترحيل غير القانوني المزعوم للأطفال الأوكرانيين منذ بدء الحرب في عام 2022. ونفت موسكو في السابق هذه المزاعم، وقالت إن مذكرات الاعتقال “فاضحة”.
وفي سياق متصل، هددت منظمة “محامون بريطانيون من أجل إسرائيل” المؤيدة لإسرائيل بفتح تحقيق مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، وهددت باتهامه بسوء السلوك المهني. ووفقاً لصحيفة “ديلي تلغراف”، كتبت منظمة “محامون بريطانيون من أجل إسرائيل” إلى كريم خان الأسبوع الماضي، قائلة إنه سيتم الإبلاغ عنه إلى مجلس معايير نقابة المحامين في المملكة المتحدة، ما لم يوافق على مراجعة الأدلة ضد القادة الإسرائيليين، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وتزعم “محامون بريطانيون من أجل إسرائيل” إن مذكرة الاعتقال التي أصدرها كريم خان والأدلة ضد القادة الإسرائيليين، بما في ذلك غالانت، كاذبة ومضللة. ويقول محامو المنظمة في الرسالة الموجهة إلى خان “كل ادّعاء … كاذب”، مضيفين إن رفض إعادة النظر في الطلب في ضوء “أدلة جديدة” يرقى إلى “افتقار خطير إلى النزاهة”. وادّعت المنظمة أن هذا قد يجعله يخرق مدونة قواعد السلوك الخاصة بنقابة المحامين، والتي تتطلب من أي محامٍ تصحيح الأمور إذا علم بمعلومات غير دقيقة يتم تقديمها إلى المحكمة. وفي حال ثبتت إدانة محامٍ بسوء السلوك المهني، يمكن شطب اسمه من نقابة المحامين ومنعه من ممارسة القانون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً