بقلم الأستاذ كمال زكارنة*
ما جرى يوم أمس في غلاف غزة وحول قطاع غزة، والذي ما يزال مستمراً حتى اللحظة، يفوق الخيال والوصف، وتعجز قواميس البلاغة والمهارة والفلسفة واللغة وغيرها من الوصف الإبداعي، أن تعطي المقاومة الفلسطينية حقها في وصف شجاعتها وتضحياتها وبطولاتها وذكائها ونجاحها ومنجزها التاريخي، الذي سطرته بأحرف من دم وذهب. فقد سحب المقاومون المحتلين كالجرذان وساقوهم كالأغنام و اقتادوهم كالعبيد، وفرضوا سيطرة كاملة في الميدان، و أذهلوا العدو والصديق والشقيق، في خططهم وبسالتهم وتنفيذهم و ابتكاراتهم وصمودهم.
هؤلاء الأبطال يحق لنا أن نسميهم جنود الله الذين اختارهم الخالق بالاسم، و أكرم الشعب الفلسطيني بهم و أكرمهم هم بهذه الكرامة والتوجيب.
ما جرى أمس وما يزال يجري اليوم، يمثل إبرة الحياة للشعب الفلسطيني والأمة العربية، فهو الانتصار الحقيقي الفعلي الثاني بعد معركة الكرامة، و أول أيام العبور في حرب تشرين، ويذكرنا ببطولات المقاومة في قلعة الشقيف وبيروت وميونخ وسافوي وتل أبيب والدبويا والطائرات الشراعية شمال فلسطين، وغيرها الكثير الكثير.
أمس كان يوماً فلسطينياً بامتياز، يوماً تاريخياً في النصر والانتصار على الأعداء الذين أثخنوا جراحاتنا وتمادوا كثيرا كثيرا في الاعتداء على حرائرنا ومقدساتنا و أقصانا وقدسنا، و أوغلوا في قتل أبناء شعبنا والتطهير العرقي، ومصادرة الأراضي وهدم المنازل ومصادرة أخرى، لم يُبقوا وسيلةً ولا أسلوباً إلا مارسوها ضد أبناء الشعب الفلسطيني، فكان لا بد من الرد وبقوة هائلة.
اختارت المقاومة الأسلوب والخطة الصحيحة مئة بالمئة في مقاتلة العدو، وهي الوصول إلى عقر داره، والاشتباك معه من منزل إلى منزل، ومن شارع إلى شارع، و من مسافة الصفر، حيث يتم تحييد كل أنواع الأسلحة الثقيلة والإستراتيجية البرية والبحرية والجوية والإلكترونية التي يمتلكها الاحتلال، ومنعه من القيام بحرب كلاسيكية، يحسمها لصالحه خلال فترة قصيرة نظراً لقدراته العسكرية الهائلة.
أدركت المقاومة أن الانتصار على العدو لا يمكن إلا بالاشتباك المتداخل من مسافة الصفر والمسافات القصيرة جداً، وفرض المواجهة وجهاً لوجه على المحتلين، لأن هذا الإسلوب يضمن تفوق المقاومة و انتصارها.
حزب الله اللبناني، حليف حماس، أضاع أمس فرصة تهيأت له على طبق من ذهب، لأنه لم يقم باجتياح منطقة الجليل المحتل و تحريره و الثبات فيه، لكن للحزب حساباته وظروفه.
المقاومة التي اجتاحت غلاف قطاع غزة أمس، ضمت جميع فصائل المقاومة العسكرية، سرايا القدس وكتائب شهداء الاقصى والكتائب الوطنية وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى و ألوية الناصر صلاح الدين، إلى جانب كتائب القسام التي شكلت القوة الرئيسية والعمود الفقري للهجوم.
لا يجب أن يذهب هذا النصر المؤزر هدراً، و أن لا تقلب الطاولة على المقاومة وتفرض شروطاً قاسية عليها، مثل طلب تجريدها من سلاحها الثقيل وخاصة قوتها الصاروخية، بحيث تدفع ثمن هذا النصر، في الوقت الذي يجب البناء على النصر الذي تحقق في تحقيق إنجازات سياسية و جغرافية، و على صعيد الأسرى.
سوف يعمل الاحتلال على تحشيد التأييد الدولي له، بمساعدة الإدارة الأمريكية، ومحاولة فرض شروطاً قاسية على المقاومة من أجل رد الاعتبار بعد هزيمته النكراء.
= = = = =
*الأستاذ كمال زكارنة – كاتب صحفي ومحلل سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً