بقلم الدكتور محمد عياش*
نأى القلم في هذه الأيام أن يجري على الأوراق متناولا ً أي شيء آخر غير الشأن والألم الفلسطيني، وقفزت إلى الذاكرة أصداء عبارة فاه بها الكاتب والصحافي الفلسطيني غسان كنفاني، قال فيها، نحن نقف مع فلسطين، لا لأننا فلسطينيون أو عرب، بل نقف معها لأنها امتحان يومي للضمير العالمي.
ضمير العالم بغالبيته غائب وحاضر بنفس الوقت، غائب فيما يتعلق بالحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني الذي تُنفذ فيه أبشع المجازر والإبادة الجماعية Genocide ويبرر تحت ما يسمى حق «إسرائيل» بالدفاع عن نفسها ! أما النظر لأسباب ودوافع الهجوم البطولي من كتائب عز الدين القسام (حماس) وسرايا القدس (الجهاد الإسلامي) في السابع من اكتوبر، تشرين الأول ؛ من حصار للقطاع، واعتداء على المقدسات الإسلامية، وانسداد كامل في عملية ‘‘ السلام ’’، وتصوير المجندات قصراً للنساء بالتعري أمام بعضهم البعض وهنّ أي المجندات يضحكن لاهيات غير مكترثن بكرامتهن وعفتهن.
في ظل هذه الحكومة الفاشية التي يقودها المأزوم بنيامين نتنياهو، وما يسمى وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلإيل سموتريتش، تدخل القضية الفلسطينية في مأزق خطير، إذ تنصلت هذه الحكومة من كل الاتفاقات والمعاهدات، وعينها على تحقيق المشروع الصهيوني برمته، ودعوتهم للفلسطينيين إما الرحيل أو الخضوع والخنوع، والموت خيار مطروح مسبقا ً من أول مجزرة ارتكبتها عصابات الهاغانا والشيترين في بدايات الاحتلال.
«إسرائيل» تخطئ خطأً كبيراً عندما تُقدم على خيار التدمير الممنهج، وهي حالة يصاب بها كل مغرور ومتهور، لأن كل هذه الوحشية والتمادي في القتل والترويع هي مجرد محاولة يائسة للتستر على حالة الهلع المستشرية في المجتمع الصهيوني في الوقت الراهن، وأن زيادة الترهيب والترويع يقابلها من الجانب الفلسطيني بمزيد من الثبات والتصميم على نيل الحقوق المسلوبة بكل عزم وجسارة.
تُرجم حضور ‘‘الضمير الغربي’’ بتقاطر الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، وإعلانه الدعم المطلق وإعطاء الكيان الغاصب الضوء الأخضر بالقتل والتدمير… وطمأنته بعدم المحاسبة والمسائلة، وحضر رئيس الوزراء البريطاني ريش سوناك للهدف نفسه والرئيس الفرنسي أيضا ً، بينما تشهد عواصمهم مسيرات داعمة للقضية الفلسطينية.
زيارة الثلاثي الاستعماري الكلاسيكي، زيارة ضرورية، لأن مشروعهم في الشرق الأوسط أصبح في خطر، هم من خططوا وصمموا ونفذوا، وبالتالي لو زالت إسرائيل من المنطقة لن يقوم لهم قائمة، فإسرائيل بتموضعها في قلب الوطن العربي تخدم الأطماع الاستعمارية، حيث قال أحد السياسيين الأمريكيين، الشرق الأوسط مهم لنا وحيوي، لأن إسرائيل وموارد الطاقة فيه.
كل العالم وشعوبها تدرك بحق الفلسطينيين بأرضهم، وأن الاحتلال الإسرائيلي مجرد حارس آمين للغرب، وهذا مدون بتوصيات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق كامبل بنرمان 1907 التي شرح وفصّل ووضع الأسس والخطط فيما يتعلق بتثبيت الكيان، والآليات التي من شأنها قمع وقتل سكان الأرض الأصليين والدول العربية التي تعترض على هذا المشروع، وبعدها توالت الاتفاقيات والوعود كاتفاقية سايكس بيكو 1916 ووعد بلفور 1917.
إسرائيل تنزعج من مصطلح آخر احتلال Last occupation بالرغم من انخراط الفلسطينيين وبعض الدول العربية باتفاق سلام ومحاولة الوصول لحل نهائي، كما أفرزته مبادرة الدول العربية في بيروت عام 2002 والتي تنص بحل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. وانزعاجها يتأتى بنسف الخرافات والأكاذيب التي أقاموا مشروعهم عليه، وبمجرد ذكر آخر احتلال، يعني ذلك بأنهم كولونياليون جاؤوا من أصقاء الأرض وبدعم من قوى عظمى، وليس عن عبث محاولاتهم احتلال التاريخ والعادات والتقاليد الأصلية لأصحاب الأرض ونسب بعض المأكولات لهم، ناهيك عن الحفر اليومي الذي يكذب ادعائتهم وزيفهم.
ختاما ً، أتوجه للمطبعين أو للذين يريدون أن يطبعوا، انظروا لهذا الكيان، وأفعاله بحق الأبرياء العزّل، يقتلون الأطفال بدم بارد، يهدمون البيوت على رؤوس ساكنيها، يحرقون الأخضر واليابس، يتوعدون بمزيد من التدمير والقتل والتهجير، يكذبون ويحرفون الكلام عن مواضعه ومعانيه، يتشدقون باستخدامهم للأسلحة المحرمة دوليا ً، يتباهون بالمساحات التي تسوى على الأرض، يعانون من قمة الأخلاق التي التزم بها الشباب الفلسطيني المقاوم، وشهادات المفرج عنهم من الأسرى بدأت تقض مضاجعهم والمعاملة الحسنة على منهج الإسلام السمح بعكس ما تروج له الصهاينة.
هذا هو العدو الصهيوني آخر احتلال فطبعوّا وأقيموا علاقات كيفما شئتم فالتاريخ لا يرحم.
= = = = =
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً