إعداد الأستاذ علي ابراهيم*
شهدت مدينة قابس التونسية موجة جديدة من الاحتجاجات البيئية السلمية، بعد تفاقم أزمة تسرب الغازات السامة المنبعثة من المجمع الكيميائي التونسي، وهو ملف شائك يعود إلى أكثر من نصف قرن. وقد عبّر الأهالي والناشطون عن استيائهم من تجاهل السلطات المتواصل، مطالبين بحلول جذرية تحفظ حقهم في بيئة سليمة وهواء نقي.
قال الناشط البيئي فراس ناصفي، عبر برنامج «الساعة المغاربية» والذي عرض على قناة فرانس 24 بتاريخ 14 أكتوبر: “إنّ الاحتجاجات خرجت بشكل سلمي، وكان هدفها إيصال الصوت، لكنّها قوبلت بعدم استجابة من الدولة”. وأوضح أنّ الأهالي في قابس “كانوا بحاجة إلى تواصل مباشر مع المسؤولين لمعرفة أسباب تسرب الغازات القاتلة، وفهم الاختلافات التي تحدث يومياً، إلا أنّ أول من وصل إلى مكان الاحتجاجات كان قوات الشرطة، مما جعل الأمور تتأزم”.
وأضاف ناصفي أنّ “الأزمة ليست أمنية، بل بيئية بحتة، وما فاقم الوضع هو تجاهل السلطة والمجمع الكيميائي التونسي طوال خمسين عاماً”. وأكد أنّ “الاحتجاجات السلمية ستبقى متواصلة”، داعياً الشباب إلى الابتعاد عن التخريب والتركيز على الهدف الأساسي، وهو تفكيك الوحدات الصناعية ونقلها بعيداً عن المناطق السكنية”.
وأشار إلى أنّ الأهالي “يحتاجون إلى أن يتنفسوا هواءً نظيفاً مثل أي إنسان”، مشدداً على أنّ قابس “تملك كل المقومات لتكون مدينة مزدهرة اقتصادياً وبيئياً وسياحياً، لولا هذا التلوث الخانق”.
من جهته، أوضح الكاتب والصحفي صهيب المزريقي،عبر البرنامج ذاته، أنّ “الشباب التونسي التقط اللحظة التاريخية، ورفع شعارات تطالب بالعيش الكريم”، وهو حق يكفله الدستور التونسي. وذكّر بأنّ “مطالب أهالي قابس ليست جديدة”، إذ منذ سنة 2011 نادوا باعتراف الدولة بـ”الجريمة البيئية” التي ارتكبتها عام 1972، عندما اختارت النظام النيوليبرالي التنموي الذي لم يراعِ الإنسان ولا البيئة”.
وأضاف المزريقي أنّ” رئيس الجمهورية قيس سعيد “أقرّ بنفسه خلال اجتماع بوزيرة البيئة ووزير الصحة بأنّ ما حدث هو جريمة بيئية، وهو اعتراف رسمي طال انتظاره من قبل المتضررين”.
في سياق متصل، أعلن ناصفي أنّه “تمّ إرسال وفد وزاري عاجل إلى قابس في الرابع عشر من أكتوبر، للقيام بزيارة تفقدية إلى المجمع الكيميائي، شملت عمليات معاينة وجرد للمعدات”. غير أنّه أشار إلى أنّ هذه الزيارة “لم تُرضِ الأهالي الذين يعيشون حالة استياء شديدة، لأنّ مثل هذه اللجان سبق أن زارت المدينة أكثر من عشر مرات خلال العقد الأخير دون أي نتيجة ملموسة”.
وتابع قائلاً: “هذه الزيارة تؤكد أن التاريخ يعيد نفسه، فالحل الوحيد المقبول من الأهالي هو تفكيك كل الوحدات الصناعية في المدينة”.
بدوره، أكد المزريقي أنّه “عندما يصف أعلى هرم في الدولة هذه المجمعات بأنها عملية اغتيال للبيئة، فإنّ ذلك يعني بداية مرحلة جديدة من الإصلاح”. وأضاف أنّ اللجان التي شُكّلت حديثاً ستكون “علمية وجدية وليست انتخابية كما في السابق”، مشيراً إلى أنّها “ستعمل تحت إشراف مباشر من رئيس الجمهورية، ما يمنحها مصداقية أكبر”.
من جانبه، شدد ناصفي على أنّ “جميع أهالي قابس متفقون على ضرورة التفكيك الفوري للوحدات”، لافتاً إلى أنّ “المدينة لم تعد قادرة على تحمل 15 ألف طن من الفوسفوجيبس الذي يُرمى يومياً في البحر”، فضلاً عن “التسربات الغازية المستمرة التي تهدد حياة السكان”.
وختم المزريقي حديثه قائلاً: “أعتقد أنّ المرحلة المقبلة، بعد توصيات الرئيس، ستشهد الانتقال من الأقوال إلى الأفعال، والبدء فعلياً في تفكيك هذه الوحدات التي أنهكت المدينة لعقود”.
تعيش قابس اليوم بين أنين البيئة وصمت السلطة، في انتظار قرار حاسم يضع حدّاً لمعاناة امتدت نصف قرن. وبين الاحتجاجات السلمية والوعود الرسمية، يبقى مطلب الأهالي واضحاً: الحق في الحياة والهواء النقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ علي ابراهيم – كاتب و مراسل صحفي.
