إعداد الأستاذ علي ابراهيم*
تعيش فرنسا في الأيام الأخيرة حالةً من الترقب السياسي الحذر، وسط تساؤلاتٍ متزايدة حول مصير البرلمان، وإمكانية تشكيل تحالفٍ جديد يقوده الرئيس إيمانويل ماكرون بمشاركة قوى يسارية، في محاولةٍ لتفادي أزمةٍ سياسية قد تهدد استقرار البلاد. ويرى المحللون السياسيون أن المشهد الفرنسي يسير على خيطٍ رفيع بين خيارين متناقضين: حلّ البرلمان أو ولادة تحالف حكومي جديد.
أكّد مصطفى طوسة، نائب رئيس التحرير في إذاعة مونت كارلو الدولية عبر برنامج «النقاش» والذي عُرِض على قناة فرانس24 بتاريخ 8 أكتوبر 2025، أن التطورات الأخيرة في قصر الإليزيه تُشير إلى انفراجٍ محتمل في الأزمة، بعد اللقاء الثلاثي الذي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برئيسة الجمعية الوطنية يائيل براون بيفيه ورئيس مجلس الشيوخ جيرارد لارشيه.
أوضح طوسة قائلًا: “كان الانطباع السائد أن اللقاء قد يتمخض عن فكرة حلّ البرلمان، غير أنّ الأحداث اللاحقة كشفت عن بوادر لتشكيل تحالفٍ سياسي جديد بمشاركة جزء من اليسار الفرنسي، ممثلين في الاشتراكيين والخضر وربما حتى الشيوعيين”. وأضاف طوسة أنّ فرنسا تحبس أنفاسها ترقّبًا لما سيعلنه مساء اليوم سيباستيان لوكورنو، الذي أنهى مهامه مؤخرًا، لكنه سيقدّم حصيلة مشاوراته السياسية مع مختلف القيادات.
كما أشار إلى أنّ “هناك سيناريو مطروح يمكن أن يجنب فرنسا حلّ البرلمان، عبر تشكيل تحالفٍ سياسي بمشاركة يسارية، شرط توافر توافقٍ حول بعض النقاط الخلافية.”
وتابع موضحًا أنّ سحب نظام إصلاح التقاعد المثير للجدل قد يكون بمثابة “هديةٍ سياسية” لليسار، مقابل انضمامه إلى التحالف الجديد الذي يسعى إليه ماكرون، مشددًا على أنّ “فرضية حلّ البرلمان واستقالة الرئيس تبتعد شيئًا فشيئًا لصالح احتمال ولادة حكومة ائتلافية جديدة.”
في المقابل، يرى طارق وهبي، الكاتب والمحلل السياسي، عبر نفس البرنامج، أنّ فكرة حلّ البرلمان أصبحت مطروحة على نطاقٍ واسع، رغم رفض بعض الأحزاب مثل الجمهوريين وحزب الرئيس ماكرون لهذا الخيار.
ويقول وهبي موضحًا: “ما طرحه الأستاذ طوسة مرتبط بشخصية رئيس الحكومة المقبل، فهل سيكون يساريًا؟ برأيي، لوكورنو انتهى دوره ولن يعود إلى رئاسة الحكومة، وربما يُعاد إلى وزارة الدفاع.”
ويُضيف وهبي أنّ” التحدي الأكبر الذي يواجه ماكرون اليوم هو كيفية إقناع الشعب الفرنسي بأنه وجد الحل المناسب، مشيرًا إلى أنّ أغلبية الجمعية الوطنية ترفض حلّ البرلمان، بينما تدفع مارين لوبان في الاتجاه المعاكس، مستندةً إلى استطلاعات الرأي التي تمنحها تقدمًا انتخابيًا واضحًا”.
ويختتم وهبي بالقول إنّ “الرئيس ماكرون لا يزال يهدر الوقت، مترددًا في إعلان توجهه النهائي، الأمر الذي يُبقي المشهد السياسي الفرنسي في حالة غموض وانتظار.”
من ناحيته، يعتبر الحسين مصدّق، الباحث في العلوم السياسية، أنّ الرئيس ماكرون “يكسب الوقت” بمهارة سياسية، مشيرًا إلى أنّ “اليساريين يشكلون حجر عثرة أمام تشكيل الحكومة الجديدة”، وأنّ بعض حلفاء الرئيس يرفضون رفضًا قاطعًا إشراك الاشتراكيين في الحكم.
وقال مصدّق موضحًا: “التنازلات المطروحة بشأن نظام التقاعد تمثل مغازلة واضحة لليسار الاشتراكي، وقد تكون محاولةً لاحتوائه سياسيًا.”
وأضاف أنّ المجتمع السياسي الفرنسي “يعيش حالة إرهاصاتٍ ويبحث عن توازنٍ مفقود، لا يمكن أن يتحقق في ظل الأزمة الراهنة”، مؤكدًا أنّ ماكرون “يرفض تمامًا فكرة الاستقالة أو الدخول في أزمةٍ دستورية.”
وفي تعقيبٍ له، أوضح مصطفى طوسة أنّ “يسار فرنسا الأبية هو الطرف الوحيد الذي يرفض المشاركة في الحكومة، بينما يبدي الاشتراكيون والخضر والشيوعيون انفتاحًا ملحوظًا على مقترحات الرئيس ماكرون ولوكورنو، رغبةً منهم في المساهمة بإنقاذ البلاد من أزمتها السياسية.”
بدوره، أشار السيد وهبي إلى أنّ هناك “صحوةً وطنية لدى جزء من اليسار”، معتبرًا أنّ الوقت قد حان للتعامل بجدية مع الأزمة، لكن بشروطٍ محددة وواضحة. وأضاف أنّ تصريحات لوكورنو الأخيرة حول التضخم والدين العام “تعكس استعدادًا حكوميًا لتقديم تسهيلاتٍ مالية قد تُغري بعض الأحزاب اليسارية بالانضمام إلى التحالف الجديد.”
في ضوء هذه المعطيات المتشابكة، يبدو أنّ فرنسا تقف عند مفترقٍ سياسي حاسم. فبين خيار حلّ البرلمان وتشكيل تحالفٍ جديد، يبقى المشهد ضبابيًا بانتظار ما سيُعلنه الإليزيه خلال الأيام المقبلة.
ومع ذلك، تُجمع التحليلات على أنّ الرئيس ماكرون يسعى جاهدًا لتجنّب أزمةٍ دستورية، من خلال بناء توافقٍ سياسي واسع يُعيد التوازن إلى المشهد الفرنسي، ويضمن استمرارية الحكم في ظل اضطرابٍ سياسي غير مسبوق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ علي ابراهيم – كاتب ومراسل صحفي
