بقلم الأستاذ علي ابراهيم*
شهران على سقوط نظام الأسد، ولكن لم يتم رفع العقوبات عن سورية، هذه العقوبات يدفع ثمنها المواطن السوري. وافقت الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ 14 عاماً على منح إعفاءات جزئية ومؤقتة من هذه العقوبات؛ إذ سمحت للحكومة الانتقالية بالقيام ببعض المعاملات لأغراض إنسانية، وخاصة تلك المعاملات المرتبطة بتوريد وتخزين الطاقة، وكذلك المياه والخدمات الطبية، كما أنها رفعت القيود عن الحوالات الماليَّة الشخصية.
هذه الإعفاءات تسرِّع من دخول المساعدات وقد تخفف عن معاناة المواطن السوري، ولكن ليس هذا ما تحتاجه سورية؛ سورية اليوم بحاجة الى رفع العقوبات الاقتصادية وليس الإنسانية فقط، لإعادة بناء ما دمّرته حرب تجاوزت الخسائر فيها مليارات الدولارات.
بلغ الانكماش الاقتصادي في سورية بين عامي 2010 و2023 حوالي 84% وفق معطيات البنك الدولي، في حين أن المعطيات الرسمية السورية قدّرته بحوالي 54% بين عامي 2010 و2021.
كان احتياطي العملات الأجنبية في المصرف المركزي السوري وفق معطيات صندوق النقد الدولي في 2010 حوالي 18.5 مليار دولار. الآن لا يتجاوز هذا الاحتياطي، سواء من الذهب أم العملات الأجنبية، الـ 2.4 مليار دولار، وفق ما صرّح به رئيس الوزراء السوري محمد البشير.
جمّدت الحكومات الأجنبية ملايين الدولارات منذ بداية الأزمة السورية، و لكن المبالغ الحقيقية غير معروفة بدقة. تؤكد بعض المصادر أن سويسرا جمّدت 112 مليون دولار، في حين جمّدت المملكة المتحدة 206 مليون دولار. و أكدت الحكومة الانتقالية أنها قادرة على استعادة حوالي 400 مليون دولار للقضايا الإنسانية، كالطعام والأدورية وأجور الموظفين.
في الواقع، تعد حوامل الطاقة والزراعة أهم موارد الاقتصاد السوري. كانت سورية تصدّر في عام 2010 حوالي 380 ألف برميل يومياً، ولكن معظم آبار النفط وحقول الغاز تتركّز في منطقة الجزيرة شمال شرق سوريا. بعد سيطرة الفصائل الكردية على هذه المناطق أصبح من الصعب جداً عقد أي صفقات تجارية بسبب العقوبات، كما آبار النفط وحقول الغاز الموجودة في البادية السورية كانت تحت سيطرة تنظيم داعش.
إنّ قانون العقوبات الأمريكي نفسه قد قسم سورية إلى مناطق محظورة ومناطق غير محظورة؛ حيث اعتبر منطقة شمال شرق سوريا ومحافظة إدلب منطقتين غير محظورتين، في حين اعتبر مناطق سيطرة النظام السوري مناطق محظورة. و بالتالي كان من الممكن نقل النفط من المناطق غير المحظورة إلى المناطق المحظورة ضمن سوريا، ولا يمكن نقل النفط من المناطق غير المحظورة إلى الولايات المتحدة الامريكية.
مع العلم أن السيد مايك بومبيو، وزير الخارجية الأسبق، في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ عام 2020، قال: “قامت إحدى الشركات الأمريكية بتوقيع عقد مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لاستثمار آبار النفط الموجودة في منطقة الجزيرة”. كما أن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أكّد أن مظلوم عبدي، قائد قسد، وقّع العقد من شركة أمريكية.
لذلك كانت سورية تضطر لاستيراد النفط و الغاز من روسيا وإيران، و لكن هذا المصدر توقف بعد سقوط نظام الأسد.
بالانتقال إلى قطاع الزراعة، الذي تدهور بشكل كبير، وأهم أسباب هذا التدهور: الجفاف، الصراع، صعوبة الحصول على البذار والأسمدة.
كان الإنتاج السوري السنوي من القمح حوالي 4 مليون طن، ولكنه تراجع إلى الربع بعد الحرب، وكانت سورية تستورد القمح من روسيا في العقد الأخير، ولكن روسيا أوقفت صادراتها من القمح إلى سورية بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على الحكم.
أما فيما يتعلق بالتسميد، تؤكد المعطيات أن حصة الهكتار من السماد كانت حوالي 100كغ في عام 2008، تراجعت هذه الحصة إلى ما دون 10 كغ بعد عام 2013، الأمر الذي انعكس على الإنتاج بشكل كبير.
علاوة على ما سبق، كانت سورية متقدمة في مجال الصناعات الغذائية والنسيجية؛ فالقطن السوري يعتبر من أفضل أنواع القطن في العالم، ولكن كل هذه الصناعات تراجعت بسبب تراجع الإنتاج الزراعي.
طالما كانت سورية محطّ أنظار الدول الغربية بسبب موقعها الجغرافي الهام. بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، وتوقف تصدير الغاز الروسي الطبيعي إلى أوروبا، أصبح التنافس على أسواق الطاقة الأوروبية على أشدّه. برز التنافس الحاد في سورية بين ثلاثة خطوط للغاز:
الأول-خط من تركمانستان باتجاه أوروبا عبر تركيا ويسمى الممر الغازي الجنوبي.
الثاني-خط من إيران والعراق باتجاه سورية ومن ثم أوروبا.
الثالث-خط من قطر باتجاه الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط ومن ثم أوروبا.
هذه المشاريع ترفضها الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه يوجد خلافات بين الدول الأوروبية حولها!
نعتقد أن دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على لعب دور كبير في هذه المرحلة من الفراغ السياسي والاقتصادي في سورية؛ إذ تستطيع الدول الخليجية القيام باستثمارات كبيرة لدفع حركة التنمية في سورية. و يمكن تقديم الأموال على شكل قروض أو على شكل استثمارات طويلة الأجل؛ خاصة أن البنى التحتية السورية بحاجة إلى إعادة تأهيل من جديد. طبعاً سورية قادرة على سداد هذه القروض، كما أن الاستثمار في البنية التحتية في سورية يعتبر مربحاً للعديد من الشركات. سورية قادرة على توليد 11 مليار دولار من الطاقة سنوياً، وما يقارب 12 مليار دولار من الصناعة، و16 مليار دولار من الزراعة، وغيرها من الإيرادات. لكن سورية اليوم غير قادرة على تحقيق ذلك بسبب العقوبات التي تمنعها من جذب الاستثمارات، و الوصول إلى الأموال المجمدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ علي ابراهيم – كاتب و مراسل صحفي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً