بقلم الدكتور بوشيخي بوحوص*
أغلب المحللين الاقتصاديين والباحثين في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية، يستعملون الدولار كأساس للتحليل، بل يعتبرون قيمته ثابتةً كالذهب والمعادن النفيسة. ولا يجرؤ أحد منهم على قول الحقيقة إنها ورقة خضراء مصنوعة من القطن مطبوعة بأمر من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، البنك المركزي الخاص الذي يملكه حوالي ثلاثة آلاف بنك خاص من بين سبعة آلاف بنك موجود في الولايات المتحدة الأمريكية. في نظامها المصرفي المعقّد كل ورقة من فئة الدولار يوجد اثنا عشر نوعاً منها، تتبع أحد البنوك الاثني عشر التي أمرت بطبعها.
عادةً في معظم كتب الاقتصاد النقدي البنك المركزي الذي يطبع النقود يجب أن يكون مملوكاً للدولة. مثلاً، البنك المركزي الأوروبي هو ملك لمجموعة دول أوروبا المنتسبة لمنطقة اليورو، البنك المركزي الإنجليزي ملك بريطانيا.
تعود قوة أمريكا إلى أنّ العالم كلّه يستعمل الدولار في التجارة الخارجية، وهذا أمر غير طبيعي؛ إذ كيف أن شركة جزائرية تشتري من الصين سلعاً صينية يجب أن تمرّ بالدولار؟!
لو أنّ المبادلات التجارية البينيّة تمرُّ دون التعامل بالدولار ستسقط هذه العملة المصنوعة من القطن. ننتظر ألّا تلعب النخب دور محامٍ مجاني عن الإمبريالية العالمية!
هناك محاولات جادّة في الولايات المتحدة الأمريكية لإصلاح نظامها المصرفي منذ عهد بول فولكر، مدير الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي أنقذ الدولار عدة مرات، والذي شغل مؤخراً منصب مستشار أوباما، وتنبّأ بعملة عالمية جديدة تتوافق عليها جميع الدول، تتصف بالعدالة وتعتمد على مقاربة تعادل القوة الشرائية للعملات.
يمنح الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لحملة الأسهم أرباحاً كلّ ستة أشهر لقاء طبع أوراق، لكل سهم قيمة ثابتة، لكل 100 دولار ربح حوالي 1.5 دولار. الأسهم غير قابلة التداول.
ولكن، نحن نطمح الى عالم متعدّد الأقطاب، متكافئ الفرص!
كتبت هذا الكلام منذ سنتين على الأقل، ولكن لم يلقَ التفاعل اللازم، إما بسبب غياب الثقافة الاقتصادية لدى النخبة وعموم الشعب، أو ربما يريدون إخفاء الحقيقة.
الكل يعلم أن الاقتصاد الأمريكي في وضعيّة ثعبان يلتهم ذيله من كثرة الديون، 36 ترليون دولار وبالمقابل الناتج المحلي الإجمالي لا يتجاوز 28 ترليون دولار، لذلك يمكن اعتبار أمريكا مفلسة! لكن حلفاء الإمبريالية العالمية يُقرضون الصعلوك البونزي من أجل أن يسدّد الدين الذي عليه بدين آخر وهكذا دواليك.
تستعمل النخبة المولعة باقتصاد السوق المزيّف استراتيجية النعامة في التّخفي، وبقاء الوضع على حاله، ومزيداً من تقليد المغلوب للغالب، والقابلية للاستعمار، ونظرية القطيع، وأطروحة “دعه يعمل، دعه يسرق، ويصنع اقتصاداً هلامياً رمزياً، لا بل اقتصاد السراب”.
وهكذا، رويداً رويداً، تتقلص المساحة الجغرافيّة للدولار في المعاملات الدولية، إذ فعلتها المملكة العربية السعودية مع الصين. حيث تمّ تبادل العملات الوطنية، الريال السعودي مع اليوان الصيني مباشرة دون المرور عبر الورقة الخضراء؛ فقد نفّذ البنكان المركزيان في المملكة وجمهورية الصين الشعبية، عملية مبادلة للعملة تعادل 50 مليار يوان (26 مليار ريال سعودي). كما تفعلها الهند مع روسيا ويتم التبادل التجاري باستعمال الروبل الروسي والروبية الهندية.
نتمنى من السلطات الجزائرية أن تفكّر في ربط الدينار الجزائري مع اليوان الصيني، عند ذلك لن يلجأ وكلاء السيارات إلى طلب التحويل واستنزاف اليورو والشراء من التجار، وبالتالي فرض أسعار خيالية على المواطنين المغلوب على أمرهم!
يجب أن تعود شركة سوناكوم وشبكاتها عبر كامل التراب الوطني، وتكليفها بشراء السيارات الصينية من الشركة الأم بالدينار الجزائري، مع العلم أن الصين تقبل رسمياً التعامل بالعملات الوطنية.
المقاربة موجودة وأنتظر اتصالاً من السلطات للاستفادة منها. منذ سنتين ونصف وأنا أتكلم عن العملة الصعبة الوهمية المصنوعة من القطن للاستيلاء على خيرات الشعوب، وأنشر الثقافة الاقتصادية، وأحثُّ الدول على أن تتعامل فيما بينها من دون المرور عبر الدولار واليورو.
النتيجة اليوم أصبحت واضحة، واستشرافنا لم يأتِ من فراغ! فلقد توصّلت الحكومة البرازيلية مع نظيرتها الصينية إلى اتفاق يقضي بالتّخلي عن الدولار واستخدام عملتيهما المحلّيتين في تعاملاتهما التجارية الثنائية. ووفق تقارير إعلامية، سيتيح الاتفاق الجديد للدولتين إجراء صفقاتهما التجارية واستبدال اليوان بالريال والعكس، بدلاً من الاعتماد على الدولار. كذلك الأمر في روسيا والهند والصين.
ننتظر من العرب أن ينتقلوا بالسرعة القصوى وينتجوا بطاقة الائتمان الموحّدة باستعمال القاسم المشترك، وهو مخزون الذهب بعد التصحيح! وهكذا تنشط التجارة البينية وتتعاظم القيمة المضافة لكل البلدان العربية دون المرور عبر العملات الكابحة للتنمية، الدولار واليورو!
نتمنى أن تنخرط النخبة في توضيح هذه القضية لعموم الشعب وتمضي إلى عالم من دون دولار مهيمن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور بوشيخي بوحوص – خبير اقتصادي و أستاذ محاضر في جامعة مستغانم في الجزائر.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً