بقلم الدكتور أحمد سيد داود*
أولت الدولة المصرية التعليم الفني اهتماماً بالغاً في السنوات الأخيرة، حيث عكفت على اعتماد برامج تطوير للتعليم الفني تعظم بها القيمة المضافة لهذا النوع من التعليم إيماناً منها بأنه الأداة المناسبة لتلبية متطلبات سوق العمل في الوقت الحاضر والمستقبل؛ ففي ظلّ المحاولات الجادة للدولة المصرية لخلق اقتصاد متوازن بتنويع الأنشطة الاقتصادية والقطاعات الخدمية تسعى أيضاً بشكل جاد ليكون العنصر البشري على قدرٍ كبيرٍ من التأهيل الذى يسمح بارتياده قطاعات الأعمال المتنوعة ويسهم في تحسين واقعه وواقعها بما ينعكس بشكل أكبر على تنمية تلك القطاعات المختلفة بالدولة.
يلعب التعليم الفني والتدريب المهني دوراً حاسماً في تطوير ومعالجة بطالة الشباب، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وعلى نطاق أوسع، نوعية الحياة في المجتمع، يعدُّ برنامج دعم إصلاح التعليم والتدريب التقني والمهني في مصر -TVET –أحد البرامج التي تركّز على الشباب وإدماج الجنسين من خلال تطوير قطاع التعليم والتدريب التقني والمهني وتوحيده وتبسيط نظامه لتعزيز قدراتهم ومعالجتهم احتياجات سوق العمل.
يعمل البرنامج مع أكثر من 25 جهة حكومية وأكثر من 30 شريكاً لتنفيذ مهمة إصلاح التعليم الفني والتدريب المهني في مصر من خلال رؤية واضحة للمستقبل، ويجمع التعليم والتدريب التقني والمهني في مصر أفضل الممارسات الوطنية والدولية من جميع أنحاء العالم لمواءمة الأولويات وتحقيق نتائج ملموسة، ويهدف البرنامج إلى إنشاء إطار حوكمة يشمل جميع أصحاب المصلحة، وتحديث المناهج الدراسية، وتعزيز البنى التحتية للمدارس، وتوجيه الطلاب والخريجين في انتقالهم إلى العمل.
برنامج دعم إصلاح التعليم الفني والتدريب المهني TVET ومكوناته
برنامج دعم إصلاح التعليم الفني والتدريب المهني، هو مشروع مموّل من الحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي بهدف تحسين وتطوير نظام التعليم الفني والتدريب المهني في مصر، بما يلبي الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة توظيف الشباب وزيادة التنافسية بما يتماشى مع تنمية الدولة في الحاضر والمستقبل، كما يسعى البرنامج إلي تحسين صورة التعليم الفني والتدريب المهني في المجتمع، وللبرنامج ثلاثة مكونات أساسية هي:
المكون الأول: تحسين حوكمة نظام التعليم الفني والتدريب المهني في مصر
هدف إلى الحوكمة الجيدة لنظام التعليم الفني والتدريب المهني والأداء المترابط والمتكامل للنظام من خلال القيادة الواضحة والمشاركة والشراكات والشفافية من خلال تحسين التنسيق والقيادة الخاص بنظام التعليم الفني والتدريب المهني و إعداد استراتيجية قومية للتعليم الفني والتدريب المهني وسنّ تشريعات ذات صلة وإعداد إطار قومي للمؤهلات NQF شامل جميع المؤهلات وما يعادلها ،وتطوير و تنفيذ آلية شاملة لتأسيس نظام معلومات عن تمويل و نفقات نظام التعليم الفني و التدريب المهني وتطوير استراتيجية قومية لتحسين الصورة الذهنية للتعليم الفني من خلال الأنشطة المنفّذة.
المكون الثاني: تطوير الجودة والموضوعات ذات الصلة بنظام التعليم الفني والتدريب المهني
هدف إلى تحسين جودة مخرجات التعليم الفني والتدريب المهني لتلبية احتياجات سوق العمل من المهارات ومتطلبات القطاعات الاقتصادية بشكل أفضل من خلال مراجعة وتطوير مخرجات المدارس الثانوية الفنية طبقاً لاحتياجات سوق العمل وتحسين وتطوير المناهج الموجودة في القطاعات المستهدفة و مراكز التدريب المهنية طبقاً لاحتياجات سوق العمل وتطوير وتحسين البنية التحتية لمدارس التعليم الفني ومراكز التدريب المهنية و الكليات و المعاهد الفنية وتنمية قدرات العاملين في المدارس و المعاهد الفنية ومراكز التدريب المهنية و الكليات و المعاهد الفنية والتأهيل والإعداد لمتطلبات الاعتماد والجودة للمدارس و المعاهد المستهدفة ومراكز التدريب المهنية و الكليات و المعاهد الفنية وتقديم الدعم لتوفير المعدات و الأجهزة التي تدعم تطبيق المناهج المطوّرة داخل المدارس و المعاهد ومراكز التدريب المهنية المُستهدفة.
المكون الثالث: الانتقال لسوق العمل (التوظيف)
هدف إلى زيادة فرص توظيف خرّيجي التعليم الفني وتوفير عمالة فنية مؤهلة ومدربة مع الاهتمام بقطاع السياحة ويتكون من ثلاث وحدات وهي التوجيه والإرشاد المهني، معلومات سوق العمل، وتنمية المهارات في القطاعات الاقتصادية المستهدفة من خلال تطوير وتفعيل خدمات التوجيه والإرشاد الوظيفي في مدارس ومعاهد التعليم الفني. و تعد عملية تحديد المهارات طبقاً لاحتياجات سوق العمل في القطاعات الاقتصادية المختارة عمليةً أساسية لتطوير برامج التعليم الفني و المهني و تطوير برامج تنمية مهارات لتواكب متطلبات سوق العمل، ودعم تطبيق برامج متنوعة للتدريب العملي لطلبة التعليم الفني، والقيام بتحديث الدراسات التي تستهدف بيانات سوق العمل، والعمل علي إيجاد كيان مسؤول عن إدارة و تشغيل نظام معلومات سوق العمل.
مجالات وآليات برنامج دعم إصلاح التعليم الفنى والتدريب المهني TVET
اعتمد البرنامج عددًا من المجالات الأساسية وفقاً لاتجاهات “التنمية المستدامة و رؤية مصر 2030” لمصر الجديدة بأن تصبح اقتصاداً تنافسياً ومتوازناً ومتنوعاً، يعتمد على الابتكار والمعرفة ، قائم على العدالة والنزاهة الاجتماعية والمشاركة، ويتميز بأنه نظام تعاوني بيئي متوازن ومتنوع، والاستثمار في براعة للموقع وللبشر لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين نوعية حياة المصريين ، لذا جاءت أبرز المجالات التي تضمنها البرنامج (السياحة والضيافة – الزراعة – معالجة الغذاء – تكنولوجيا المعلومات والاتصالات – الطاقة المتجددة -المنسوجات و RMG- تشييد المباني – الميكنة التقنية – الخدمات اللوجستية – الهندسة الصناعية).
نظّم البرنامج ورشَ العمل في القاهرة لتطوير برامج تدريبية قصيرة قائمة على الجدارات للتعليم الفني وبمشاركة مجموعة كبيرة من ممثلي أصحاب الأعمال من القطاع الخاص فضلاً عن مجموعة أخرى من مقدِّمي الخدمات التدريبية مثل مراكز التدريب المهني التابعة لوزارة التجارة والصناعة ومراكز التدريب المهني التابعة لوزارة القوى العاملة. وهدفت ورش العمل أن يتعرف المشاركون على الإطار العام للبرامج التدريبية القائمة على الجدارات فضلاً عن إطار المؤهلات الجزئي الذي يدعم التعلم والتدريب المهني مدى الحياة، وناقشت الورش آلية تطوير البرامج التدريبية وإعادة تصميمها البرامج بناءً على تطوير قائمة من الجدارات الفنية أو التقنية لكل برنامج تدريبي والمطلوب إتقانها من قبل المتدربين قبل الالتحاق بسوق العمل. وتتميز هذه الآلية مقارنة بالطرق الأخرى باشتراك المتخصصين من أصحاب الأعمال من القطاع الخاص فى الوحدات التدريبية في جميع مراحل التطوير، وسهولة الفهم والتطبيق في عملية إعادة تصميم وتحديث البرنامج التدريبي.
إسهامات برنامج TVET على أرض الواقع لتطوير التعليم الفني
قامت وزارة التربية والتعليم و التعليم الفني بتطبيق نظام الجدارات على 105 مدارس ووصل العدد إلى 400 مدرسة في نهاية عام 2021م، وتمّ تطبيق هذا النظام على 1200 مدرسة في نهاية عام 2022م، كما استطاع برنامج دعم وتطوير التعليم الفني والتدريب المهني TVET إلى جانب التدريب المهني تدريب 337 من ممثلي وزارة التجارة والصناعة، ومختلف الوزارات والجهات في دورات تدريبية وورش عمل لرفع كفاءتهم في المهارات القيادية كما أسهم قطاع التدريب بالبرنامج فيما يلي:
لم يقتصر البرنامج على تقديم الخدمات اللوجستية وتطوير البنية التحتية للمؤسسات التربوية و خدمات التدريب والتدريس للفئات السابقة بل أيضاً قام بتنظيم معرضين للتوظيف وتمّ عرض أكثر من 2395 فرصة عمل ومشاركة 670 باحث عن عمل، وتوظيف أكثر من 187 شاباً ،والبرنامج يسعى إلى زيادة عدد الطلاب المسجلين وفق نظامه إلى أكثر من مليوني طالب في العام و750 ألف خريج ينضمون إلى سوق العمل سنوياً وزيادة عدد المعلمين والمدربين إلى 150000 معلم ومدرب في قطاع التعليم الفني والتدريب المهني يقدمون خدماتهم وخبراتهم في أكثر من 35000 مدرسة ومركز تدريب في مختلف محافظات مصر وبمشاركة 30000 مؤسسة في القطاع الخاص بحاجة للعمالة الماهرة من خريجي البرنامج، وبهذا فإن البرنامج يقدم مثالاً لتكامل أبعاد نظام التعليم الفني وربطه بسوق العمل وهذا ما كان يفتقده نظام التعليم الفني في مصر على مدى عقود أحدثت فجوة كبيرة في مهارات الخريجين ومتطلبات سوق العمل ، وينبغي أن تأخذ الدولة زمام المبادرة في تمكين خريجي التعليم الفني من خلال إدماجهم في المبادرات الرئاسية التابعة لمؤسسة حياة كريمة ولاسيما مبادرة – أبدأ – لتوطين وتطوير الصناعة المصرية من خلال تسهيل إجراءات إقامة المشروعات الزراعية و الصناعية والخدمية للشباب الخريجين من التعليم الفني وتقديم التسهيلات والضمانات كافةً وحوافز الاستثمار والإعفاءات الضريبية وإمكانية شراكة الدولة معهم في المشروعات بالتمويل أو التخصيص أو اللوجستيات والتسويق وبما يحقق دفع عجلة التقدم الاقتصادي والإنتاج المحلي إلى الأمام.
أخيراً، يعد التعليم الفني هو السبيل الأمثل لرفع مستوى العمالة المصرية بما يخدم مستوى جودة المنتجات والخدمات المقدمة في القطاعات المختلفة في الدولة وبما يسمح بدعم المزايا التنافسية للمنتجات والخدمات المصرية ويعزز توطين الصناعات والخدمات واستدامتها، لذا فإن اتجاه الدولة لاعتماد مبادرات وبرامج رائدة لتطوير التعليم الفني تسهم في تعظيم القيمة المضافة للتعليم الفني يعد ضرورة استراتيجية لتحقيق اقتصاد متوازن وطفرة في القطاعات التي تعاني من خلل ناتج عن قلّة كفاءة العنصر البشري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور أحمد سيد داود – باحث في قضايا التعليم
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً