بقلم الدكتور نجم الدليمي*
يُلاحظ أنّ النظام الحاكم في أوكرانيا بعد انقلاب عام 2014، والذي لعبت في إنجاحه وكالتا المخابرات المركزية الأمريكية والبريطانية دوراً مهماً وكبيراً؛ إذ تم ضخ 5 مليار دولار لشراء ذمم بعض المتنفذين في السلطة الحاكمة في أوكرانيا. وفعلاً نجحت القوى الدولية و الإقليمية في تحقيق هدفها و وصول حلفائهم إلى السلطة، فلقد تم تسليم السلطة إلى ترجينوف كرئيس مؤقت لأوكرانيا وهو قومي متطرف بنديري النزعة وهو من أعلن الحرب ضد شعب الدونباس.
بين تاريخي 7 حزيران 2014 – 20 أيار 2019، تولّى باراشينكو رئاسة أوكرانيا عبر مسرحية هزلية فاز فيها في الانتخابات، وحظي فوزه بدعم داخلي من تورجينوف، أوفاكوف، والقوى الدولية والإقليمية. استمر باراشينكو أيضاً في حربه ضد جمهوريتي لوغانسك ودونيسك، وتمّ توقيع اتفاقية مينسك الأولى من أجل إنهاء الحرب غير العادلة ضدهما. إلا أن باراشينكو وفريقه المرتد، وبدعم دولي و إقليمي لم ينفّذ أي بند من بنود اتفاقية مينسك الأولى.
منذ أيار 2019 و لغاية اليوم، يترأس زيلينسكي أوكرانيا، و جاء أيضاً عبر مسرحية انتخابية نتائجها محسومة مسبقاً لصالحه من خلال دعم القوى الدولية و الإقليمية وخاصة من قبل الولايات المتحدة و بريطانيا. استمر على نفس النهج اللاقانوني واللاإنساني الذي اتّبعه أسلافه في حربهم غير العادلة ضد جمهوريتي لوغانسك ودونيسك. وتحت ضغوط روسية وفرنسية و ألمانية تم عقد اتفاقية مينسك الثانية من أجل إنهاء الحرب في الدونباس، إلا أن زيلينسكي، المتهم بتعاطي المخدرات، لم ينفّذ أي بند من بنودها، بل استعمل سياسة الأرض المحروقة كما فعل تورجينوف و باراشينكو. يمكن القول: إنّ باراشينكو وزيلنسكي يمثلان مشاريع للقوى الدولية والإقليمية بامتياز، وهما أداتان طيّعتان بيد هذه القوى.
الحقيقة الموضوعية هي سعي الإعلام في البلدان الرأسمالية، و خاصة في الولايات المتحدة و بريطانيا و ألمانيا، إلى عدم تحميل النظام الحاكم في أوكرانيا مسؤولية إشعال هذه الحرب غير العادلة. فالنظام الحاكم في أوكرانيا هو من بدأ الحرب ضد شعبي لوغانسك ودونيسك، وبعد أن وصلت الأمور إلى طريق مسدود بين روسيا الاتحادية وجمهوريتي دونيسك ولوغانسك من جهة وبين النظام الحاكم في أوكرانيا من جهة ثانية أقدمت القيادة الروسية على الاعتراف باستقلال هاتين الجمهوريتين. حاولت القيادة الروسية إقناع زيلينسكي بسحب القوات العسكرية الأوكرانية من الدونباس وتطبيق اتفاقية مينسك الثانية من أجل تجنب الحرب، إلا أنه لم يسمع النصيحة. مقابل ذلك حصلت القيادة الروسية على وثيقة رسمية تبين أن النظام الحاكم في أوكرانيا جهز حوالي 150 ألف جندي مع الآليات العسكرية و لديه خطة عسكرية لاجتياح الدونباس، و تم تحديد موعد الاجتياح العسكري بتاريخ 8 آذار 2022. لم يبقَ أمام القيادة الروسية سوى إعلان العملية العسكرية الخاصة بأهداف محددة، وهي لا تزال مستمرة، وقد تطول الحرب بسبب تدخل الولايات المتحدة وبريطانيا والناتو بشكل مباشر أو غير مباشر.
إن التنافس بين قادة النظام الحاكم في أوكرانيا قد بدأ عملياً بعد الانقلاب الفاشي في كييف عام 2014، والسبب الرئيس في هذا التنافس بين الفريقين كعكة السلطة بالدرجة الأولى، أي التنافس من أجل السلطة والمال والنفوذ. اشتد التنافس بشكل واضح خلال الحرب غير العادلة ضد جمهوريتي لوغانسك ودونيسك، يتكون الفريق الأول من زيلينسكي و النخبة الحاكمة معه اليوم، أما الفريق الثاني فيتكون من باراشينكو و تورجينوف و يونوسوك ( رئيس وزراء سابق، و هو قومي متطرف بنديري) و أوفاكوف ( وزير الداخلية السابق، وهو قومي النزعة بنديري و أحد الذين ساعدوا في ظهور الكتائب النيونازية ككتيبتي آزوف و آيدار). أصبح الفريقان شديدي الثراء، وهم جميعهم يخدمون القوى الدولية و الإقليمية، و القوى الدولية و الإقليمية تراهن عليهما، ولكن لأهداف تخصها فحسب و ليس لمصلحة أوكرانيا.
يذكرنا هذا الانقسام بوضع غورباتشوف وفريقه من جهة وبوريس يلتسن وفريقه من جهة ثانية؛ فالغرب الإمبريالي بزعامة واشنطن وحلفائها دعم غورباتشوف وفريقه من أجل تفكيك الاتحاد السوفيتي، ولكن كان لديهم احتياط وهو يلتسن وفريقه. بعد ان نفذ غورباتشوف الخطة، والتي تسمى بـ (بيرويسترويكا الغارباتشوفية) سيئة الصيت في شكلها ومضمونها، انتهى دوره وأصبح يلتسن رئيساً لروسيا الاتحادية بين عامي 1992-1999.
يتكرر اليوم السيناريو نفسه في أوكرانيا بين زيلينسكي وفريقه و باراشينكو وفريقه، لذلك يتحمل هذان الفريقان كل مأساة الشعب الأوكراني، فهم من دمر و خرب و أفقر الغالبية العظمى من الأوكرانيين. لن يتمكن هذان الفريقان من حسم الحرب عسكرياً مع روسيا الاتحادية والجيش الشعبي في جمهوريتي دونيسك ولوغانسك، ولن ينقذ الدعم العسكري الغربي النظام الحاكم في كييف. لذلك، بدأ التنافس بين الفريقين يظهر للعلن، ونعتقد أن هذا التنافس يمكن أن يؤدي إلى تفكيك أوكرانيا إلى أوكرانيا-شرقية و أوكرانيا-غربية. واليوم يشتد التنافس بين الفريقين حول أوكرانيا الغربية، لذلك قد تصبح نازية بامتياز و ضد أوكرانيا الشرقية الموالية لروسيا الاتحادية، و كذلك ضد روسيا الاتحادية.
نعتقد أنه من الممكن أن يكون للجيش الأوكراني دور حاسم في هذا التنافس، بالرغم من أنه يوجد في الجيش الأوكراني: الكتائب النيونازية وقوات القطاع الأيمن والبنديريون … الخ، كذلك الأمر في بقية المؤسسات الأوكرانية. سيكون للجيش الأوكراني دور بعد الاستسلام الكامل للنظام النيونازي، ويمكن أن يجد قاعدة مشتركة للحوار مع روسيا الاتحادية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار.
إن مصير النظام النيونازي في أوكرانيا إما الاستسلام الكامل وبدون شرط أو سيتم تقسيم أوكرانيا، و المستقبل القريب قد يكشف لنا الكثير من المفاجآت.
= = = = =
*الدكتور نجم الدليمي – باحث وأستاذ جامعي متقاعد.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً