بقلم الدكتور محمد عياش*
ماذا أصاب الكيان الصهيوني، حتى ينتقم بشكل هستيري في قطاع غزة، تجاوز كل الخطوط الحمر، والحديث عن القانون الدولي والإنسانية أصبحت مثار سخرية وسط الإعلام الذي يسيطر عليه اللوبي الصهيوني القادر على توظيفه بكل تقنياته وبرمجياته لصالحه، بالرغم من وضوح الحقيقة الساطعة للذين إذا أرادوا أن يتحققوا أو يتبيّنوا الكذب من الصدق.
بطبيعة الحال، فإن “طوفان الأقصى” قد جرف السمعة والهيبة الصهيونية التي تغنت بها كثيرا ً وسط بلدان عربية شغلتها أو أشغلتها بخلافات داخلية وحدودية وساهمت في تغذيتها للاطمئنان على التفوق العسكري والاقتصادي وحتى السياسي، حتى السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من الشهر الجاري، كان هناك قناعة راسخة في رأس كل صهيوني بتفوق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تحولت هذه القناعة مع الوقت إلى ذهنية ثابتة لا يساورها شك أو ريبة.
سُئل رئيس الموساد السابق إفرام هاليفي، بأنكم أقوى الأجهزة الاستخبارتية والأمنية في المنطقة، ليرد بصراحة، هذا قبل السابع من أكتوبر، أما الآن فقد فشلنا فشلا ً ذريعا ً بعد الهجوم الذي قامت به الفصائل الفلسطينية بقيادة حماس.
إن هذا الهجوم (العلمي) الذي غفلت عنه كبرى مؤسسات الإعلام من ذكره وتمجيده، قافزة إلى الأكاذيب والأراجيف التي روّج لها زعيم العصابة الصهيونية بنيامين نتنياهو في محاولة لتقليل هذا الإنجاز الفلسطيني الذي سوف يبقى عالقا ً في ذاكرة العالم في محاولة فهمة والإطلاع على حيثياته وخصوصا ً والأهم السؤال الذي يثبت في كل مراقب ومتابع ومحلل ألا وهو، كيف بدأوا وعطلوا البرامج الرقمية الأمنية ناهيك عن السرعة في إنجاز المهام.
«إسرائيل» جريحة مثلها مثل الوحش الجريح الذي يتعالى على آلامه وعذابه والتصرف بغريزة جنونية، ستدفع به هذه التصرفات إلى نهايته، لأن الحيوان الجريح يزيد من جراحه لأنه لا يملك العقل بالتوقف عن الحركة التي تزيد وتعمق جراحه وبالتالي سينفق لا محال.
صعبة جدا ً هذه العملية البطولية على هذه الحكومة التي وصُفت بأنها أكثر الحكومات تطرفا ً لاسيما الإتلاف مع الأحزاب الدينية المتطرفة التي انخرطت مع نتنياهو لتمرير مخططاتها التلمودية الخبيثة واستهداف الأقصى ومحاولة الاستيلاء عليه وتقسيمه زمانيا ومكانيا في المرحلة الأولى.
فزعة الولايات المتحدة الأمريكية وإرسالها بوارج ومدمرات، لتأكيد الدعم لهذا المشروع الصهيوني المزروع وسط الوطن العربي، جاء أيضا ً من إدراكها ويقينها، بأن عموم المنطقة لا تقبل به، وعليها وبسرعة أن تتقدم وتنقذها من الزوال..
إن الحروب التي خاضتها إسرائيل أو العدوان المتكرر على قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان والقصف المتكرر على سوريا، لم تتحرك واشنطن سوى الغطاء لها دوليا ً ومنعا ً لإصدار قرارات من شأنها أن تدين أو تحاسب إسرائيل، وذلك كانت حروبا ً تقليدية وتراشق من بعيد. والذي دب الرعب في قلوب الاستعمار الثلاثي الكلاسيكي بريطانية فرنسا والولايات المتحدة هو الإنجاز العلمي بدءا ً من صنع الصواريخ ومروراً بالأنفاق وانتهاء ً بمنظمة دفاع جوي ذاتي الصنع.. الذي يقض المضاجع.
لقد أصاب الهجوم الفلسطيني الأخير الصهاينة في مقتل، وكسر هيبتها أمام شركائها وحلفائها، وحطم التابوهات الصهيونية التي تتشدق بها أمام العالم بأنها متطورة علميا ً وقادرة على صنع السلاح وتصديره. هذا الهجوم الذي أعاد الأمل لهذه الأمة التي سلّمت قبل السابع من أكتوبر بأن التفوق العسكري الإسرائيلي لا يمكن اختراقه أو تسديد ضربة موجعه له وذلك لارتكازه على استراتيجيات عصية على الاختراق.
يحتاج الكيان الصهيوني إلى سنوات عدّة لترميم ما أصابه من ذل ومهانة، وبالتالي فمن الصعب بمكان إقناع الكثير من الصهاينة للعودة إلى مدن وقرى غلاف غزة على أقل تقدير لعشر سنوات مقبلة، يعني ذلك بأن ولادة مصطلح التسلل قد أصبح الهاجس لهؤلاء المرتزقة وشذاذ الأفاق.
الحديث عن الهجوم البري الوشيك، يجري تداوله بين الفينة والفينة، وأن الكيان الصهيوني لا يمكن شفاء غليله حتى يدخل القطاع ويقضي على رجال المقاومة، نقول لهؤلاء الحالمين بأنكم ستهزمون على أبواب القطاع وسيستقبلكم رجال المقاومة بعمليات لا تخطر على بال، كيف لا، وحديث المصطفى أكد ذلك عندما قال وهم كذلك حتى يأتي أمر الله.
= = = = =
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً