بقلم الدكتور محمد عياش*
يدرك العاملون والعارفون بعلوم التاريخ والعلوم الإنسانية.. أن الصهيونية لا تكترث ولا تأبه لما يصدر عن الغير من انتقادات واحتجاجات وحتى إصدار قوانين من أكبر الهيئات والمجالس العالمية، لأن العالم برمته يجب أن يسير وفق رؤيتها وقوانينها وشوفينيتها المقيتة؛ واعتقادها الثابت الفرد «الصهيوني» يساوي العالم؟!
في هذا السياق سأسرد قصة من التاريخ القديم تلخص الحالة التي يجب علينا نحن كعرب ومسلمين ومن غيرهم الاستعداد أو التنبه للخطر الذي يهدد البشرية على وجه الأرض.
لمسنا هذه الرؤية الضريرة بخطابات رئيس العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو وقوله عن الجندي الإسرائيلي “يساوي عالماً بأكمله”. وعن نسفه لاتفاق أوسلو، وتهديد السلطة الفلسطينية الموجودة نتيجة لهذا الاتفاق، وبالتالي التمترس خلف الاستراتيجية الصهيونية النهائية، وهذه فرصة له شخصياً للإفلات من المحاسبة والتهديدات بزجّه في السجن.
في عام 1855 تولّى القيصر اسكندر الثاني عرش روسيا، وكان كما وصفه بينجامين دزرائيلي «سياسي يهودي بريطاني». تولّى رئاسة الوزارة في بريطانيا مرتين: من 27 فبراير/ شباط إلى 1 ديسمبر/ كانون الأول 1868. من 20 فبراير/ شباط 1874 إلى 21 أبريل / نيسان 1880. فيما بعد «خير من تولّى عرش روسيا» لأنه كرّس نفسه لتحسين أوضاع الفقراء والمضطهدين والفلاحين، وكان بين من شملهم بعنايته اليهود – وهذا هو السبب الذي حمل دزرائيلي على امتداحه – فقد كان خريجو الجامعات من هؤلاء يشكون من عدم إمكانهم الحصول على المناصب بسبب دينهم فأصدر اسكندر الثاني الأوامر بفتح أبواب جميع المناصب لهم في كل أرجاء روسيا أسوةً بخريجي الجامعات من الروس… وقد يظن أن هذه الالتفاتة من القيصر الطيب ستكافأ بالعرفان بالجميل ولكن الواقع كان النقيض تماماً، ذلك أن الزعماء اليهود المتطرفين والمرتبطين بالمؤامرة العالمية خشوا أن تؤدي سياسة القيصر المتساهلة إلى «ذوبان» التكتل اليهودي وإفلات اليهود بالتالي من ربقة سيطرتهم، هذا إلى أن تعليمات المؤامرة كانت تنص على بث الفوضى والحقد في هذه البلاد المترامية الأطراف بدينها، ولذلك اعتبروا القيصر عدواً يجب القضاء عليه، لا سيما وإن إصلاحاته وحكمه المتسامح جعلا من الصعب على الخلايا التي أسسوها وكلفوها بمهمة إثارة أحقاد المثقفين والمحرومين التقدم في عملها لأن هؤلاء كانوا يلمسون رغبة القيصر الصادقة في إصلاح الأوضاع، وهكذا تقرر اغتيال اسكندر الثاني وجرت المحاولة الأولى عام 1866 ثم تكررت ثانية عام 1879 ولكن القيصر أفلت بأعجوبة من كلتا المحاولتين، إلا أنهم نجحوا أخيراً باجتذابه إلى بيت غانية يهودية اسمها (هسياهلغمان) حيث تمكنوا من اغتياله عام 1881.
قصدت من رواية هذه القصة، التأكيد أن الصهاينة لا ينفع معهم الخير والمعاملة الحسنة وإن كان صادقاً ونابعاً من القلب، هؤلاء وورثتهم الصهاينة الإسرائيليون في فلسطين المحتلة، هم شرُّ البرية، فقط راقب وتابع ما يفعلون بقطاع غزة من جرائم يندى لها الجبين، واستهداف لكل محرّم (مستشفيات، دور أيتام، مدارس إيواء، رياض أطفال… الخ)!
السلام من منظور هؤلاء القتلة والمجرمين، هو الخضوع والخنوع والتبعية العمياء للصهيونية العالمية وليس فقط في فلسطين المحتلة، بل في العالم بأسره، وهذا ما صرح به وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت، بأن بعد غزة سيكون الدور على الدول العربية المجاورة.
فظاعة التدمير والقتل والتشريد الذي يمارسه الكيان الصهيوني في فلسطين (قطاع غزة – الضفة الغربية) غير مسبوق؛ يعتبر بمثابة الإنذار المبكر للذين ينظرون من بعيد، وبالتالي فإن الحديث عن اليوم التالي من وجهة نظر صهيو- أمريكية، هو إخضاع الدول العربية جميعها للإرادة والإدراة الإسرائيلية ولكل منهم هدف، وواشنطن تريد التخلص من هذه الأزمة للتفرغ للصين وروسيا، و«إسرائيل» استكمال مشروعها الاستيطاني والقدس واللاجئين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً