بقلم الأستاذ علي سليمان*
لم يكن خافياً أنّ المملكة العربية السعودية تعيش تحت رحمة الحماية الأمريكية، والتي كانت لا تفوّت فرصةً إلا وتبتزّ السعودية وتستغل وقوفها إلى جانبها، من خلال قواعدها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وأساطيلها البحرية.
إلا أنّ هذه الاستراتيجية التي قبلت بها السعودية منذ اكتشاف النفط وحتى العام 2022، والتي تمثّلت بـ (النفط مقابل الحماية) لم تعجب الأمير الشاب محمد بن سلمان، الذي يعتبره البعض مؤسس المملكة العربية السعودية الجديدة، الذي يريد نقل السعودية من عهد النفط مقابل الحماية إلى عهد (النفط مقابل السلاح والسيادة)، وتمثلت رؤيته بتأمين قوة ذاتيّة لدولته تغنيها عن فضل القوى العظمى.
محمد بن سلمان ونهضة الجيش السعودي:
بدأ ابن سلمان منذ توليه ولاية العهد بترتيب البيت الداخلي للمملكة، محيّداً معارضيه وكل من يخالفه الرأي عن الديوان الملكي ومراكز اتّخاذ القرار، وجعل قيادة الدولة وتحديداً العسكرية مرهونة بموقف الرجل الواحد وهو محمد بن سلمان، الأمر الذي أثار استياء الكثيرين، بما في ذلك المقربين منه من العائلة الحاكمة. وخلال فترة قصيرة بدأ ابن سلمان يخرج من تحت العباءة الأمريكية التي تفرض قيوداً شديدة على تسليح الجيش السعودي لتبقيه مسلوب القرار العسكري مهما اشترى من الأسلحة.
كانت الخيارات المتاحة أمام ابن سلمان روسيا والصين. روسيا حليفة إيران العدو التقليدي للمملكة وسيصعب التفاهم معها وشراء أسلحة متطورة منها، لذا كانت الصين الخيار الأنسب للمملكة والتي تلقت طلبات المملكة دون قيد أو شرط؛ إذ وجدت الصين لنفسها موقعاً في سوق السلاح العالمي وزبوناً سيجر عشرات الجيوش من بعده إلى مصانعها التي تطورت في الأعوام العشرين الأخيرة بشكل كبير في المجال العسكري بعيداً عن سيناريو الاستنساخ الذي تشتهر به. إذ صارت الأسلحة الصينية تضاهي في قدراتها الأسلحة الروسية والأمريكية والأوروبية، وفي حقيقة الأمر أنتجت الصين أسلحة مرعبة وخطيرة وخصوصاً الصواريخ الجوّالة والعابرة للقارات والفرط صوتية والانزلاقية والرؤوس الحربية شديدة التدمير. وهنا يجب التنويه أن علاقات التّسليح مع الصين لا تعدو كونها مسألة اقتصادية بحتة وليست علاقات تحالف دولية.
القوة العسكرية السعودية:
احتلّت القوة العسكرية السعودية المرتبة 25 عالمياً والثالثة عربياً في العام 2015، من حيث نوعية القوات وتسليح الجيش. وفي العام 2022 أصبحت السعودية الثانية بعد الجيش المصري مزيحةً الجيش الجزائري من هذه المرتبة، وأصبحت بالمرتبة 17 عالمياً من حيث حجم الإنفاق والتسليح ضمن معايير موقع (غلوبال فاير باور).
جيش ابن سلمان الحديث:
لن نتطرق في هذه الجزئية إلى الأسلحة التقليدية وسنكتفي بذكر أخطر الأسلحة التي استحوذ عليها ابن سلمان من الصين:
1-القبضة الجوية
عقد ابن سلمان صفقة مع الصين لشراء 24 طائرة صينية من طراز J16 وهي طائرة متعددة المهام من الجيل الرابع تلقب بـ (النسر الأحمر) أنتجت خصيصاً للتفوّق على الطائرتين الأمريكيتين الأكثر شيوعاً 15F- و 16F- وهذه الطائرة من قلائل الطائرات التي تستطيع استخدام ذخائر من المعسكرين الغربي والشرقي وتتميز بأنظمة تشويش وتعمية رادارية، ما يجعلها أقرب إلى الطائرات الشبحية بالإضافة إلى قدرتها على حمل قنابل عملاقة وصواريخ جو-جو بعيدة المدى مما يؤهلها لخوض أقسى المعارك الجوية.
كما اشترت السعودية 300 طائرة مسيّرة من طراز CH4 التي تستطيع حمل القنابل بوزن 500 كغ والعمل لمدة 24 ساعة متواصلة على ارتفاعات تصل إلى 9000 متراً، بالإضافة الى مهام التجسس وجمع البيانات.
يسعى ابن سلمان لإنشاء مصنع لإنتاج طائرات بيرقدار TB2 الشهيرة، خاصة أن أداء هذه الطائرات أفضل من المسيّرات الصينية والإيرانية التي نشرتها روسيا في أوكرانيا، وهذا ما تمّ الاصطلاح على تسميته بـ (جيش المسيّرات الملكي). كما يسعى إلى تطوير طائرة (حارس الأجواء) محليّة الصنع ونقل التكنولوجيا الصينية والتركية، كنوع من الرد على إيران التي دعمت الحوثي بطائرات مُسيّرة.
2-الصواريخ البالستية الجبارة
لم يتوقف شغف ابن سلمان عند حدود الطائرات بل زوّد الجيش السعودي بصواريخ DF_41 الفتاكة العابرة للقارات وبرؤوس حرارية شديدة التدمير، إذ تعتبر هذه الصواريخ رأس الهرم في القوة العسكرية الصينية وأهم عنصر في الثالوث النووي الصيني ويصل مداه إلى 16000 كلم وقادرة على ضرب أي موقع في الأرض.
كما عقد ابن سلمان صفقة لنقل الهندسة العسكرية الصينية إلى المملكة وطوّر عدّة برامج تهدف لصناعة الأسلحة الصينية بغرض التسليح والبيع.
أنشأ أيضاً ثلاثة معامل لصناعة الصواريخ في السعودية، كما رصدت الأقمار الصناعية الأمريكية مخازن لتخزين الصواريخ البالستية.
كما أنه يقوم بتطوير عتاده الحربي البري بما يتناسب مع التهديدات المحتملة استعداداً لسيناريو تخلي الولايات المتحدة الكامل عن المملكة.
3-القنبلة النووية السعودية
النمو السريع للمملكة دفع إيران أكبر المنافسين في المنطقة مؤخّراً للمصالحة معها بوساطة صينية، وهذه الخطوة تُحسَب لابن سلمان؛ إذ جنّب المملكة صراعاً لن يكون في آخره لا غالب ولا مغلوب. ولم تنتهِ استراتيجية ابن سلمان عند رؤيته 2030 فقط. فالحديث عن برنامج السعودية النووي عاد مجدّداً للواجهة ولا تُعرَف خفاياه في الوقت الحالي، ومن الواضح أنّ ابن سلمان يسعى لجعل المملكة أول دولة عربية نووية وهذا ما تشير إليه برامج الصواريخ البالستية.
بدأت قصة البرنامج النووي السعودي في عام 2011 عندما أقرّت الرياض خطة بناء 16 مفاعلاً نووياً على مدى عشرين عاماً بتكلفة تصل إلى 80 مليار دولار لتوليد الكهرباء وتحلية المياه ومن ثم تمّ تجديد الحديث عن تسريع هذه الاستراتيجية في رؤية 2030 التي أعلنها بن سلمان.
يتساءل خبراء ومحللون عن كيفية امتلاك المملكة للسلاح النووي، وهل ستقوم الرياض بتصنيعه أم تشتريه من إحدى الدول النووية (والحديث هنا عن باكستان) التي ساهمت السعودية في تمويل مشروعها النووي منذ تسعينات القرن الماضي، وقبلها منذ السبعينات، عندما مولت مشروع القنبلة الباكستانية النووية الناشئة، وهذا ما أثار تساؤلات المخابرات الأمريكية عن المقابل الذي ستحصل عليه السعودية والذي غالباً سيكون نقل التجربة النووية الباكستانية إلى السعودية. وهذا ما يؤكده أيضاً كلام رئيس المخابرات الإسرائيلية (عاموس يادلين) عام 2013 إذ قال: (في حال حصلت إيران على القنبلة النووية فإن السعودية لن تنتظر طويلاً لامتلاكها، لأنهم دفعوا ثمن القنبلة منذ سنوات وسيتوجهون فوراً إلى باكستان للحصول على ما يريدونه).
وفي مقابلة مع وكالة CNN الأمريكية كشف وزير خارجية المملكة عادل الجبير عن تفاصيل امتلاك السعودية لقنبلة نووية وقال: (إذا حازت إيران على قدرات نووية فإننا سنبذل ما بوسعنا للقيام بالشيء نفسه). كما وأكد ابن سلمان الكلام ذاته بالقول: (إنّ المملكة لا تريد الحصول على أسلحة نووية إلا أنه إذا طورت إيران قنبلة نووية فسنتبعها في أسرع وقت ممكن، وستكون إيران هي الدافع الأكبر لتخوض المملكة هذه التجربة).
يبدو واضحاً بالنسبة لنا وبناء على هذه المعطيات والتحولات الاستراتيجية الكبرى أن المملكة اتخذت القرار بالتخلي تماماً عن الخدمات الأمريكية وتسعى جادّةً لتكون قوة إقليمية مستقلّة. ومن المتوقع جداً إذا استمرت المملكة على هذا النحو السريع في النمو أن تحتلّ المرتبة الأولى في الشرق الأوسط متفوّقةً على مصر وإيران وتركيا خلال مدة لا تتجاوز عشر سنوات بحسب تقديرات بعض المحللين.
= = = = =
*الأستاذ علي سليمان – كاتب سياسي.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.