بقلم الدكتور عبدالله العبادي*
بعد شهور من الحرب في غزة، ها هي المخيمات تنتشر من جديد، بل تتناسل مخيماً وراء مخيم، والمخيم يعني المزيد من معاناة الفلسطيني المهجّر قسراً من بيته وقريته ومدينته، فالمخيم هو طموح المستعمر ليجبر المواطن صاحبَ الأرض، على تحمّل ذلك والتأقلم معه نتيجة التعرّي من الوطن. فالاستعمار بكل أشكاله يؤمن بفكرة أن الأرض لنا والحياة لنا، أمّا المخيمات والقهر فلكم.
تسارعٌ كبير في حرب غزة، وبشكل عنيف، قد يكون الأعنفَ في تاريخ هذا الصراع بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال، قد يباد أهل غزة وقد تنتهي إسرائيل، لكن المعادلة تبقى غير متكافئة من حيث الأضرار الجسيمة التي يعيشها المواطن الفلسطيني اليوم. في المخيمات تقام الحفلات والجنائز، ويستمر الأمل رغم قحط الواقع البئيس ورغم مساحات الحزن الشاسعة والرهيبة.
تنعكس البيئة الجغرافية للمخيمات الفلسطينية على حياة الفلسطيني، باعتبارها تختلف تماماً عن مراكز المدن التي تتواجد فيها السلطة، وهنالك المخيمات التي تمتلك طابعاً جغرافيّاً واجتماعيّاً مغايراً، سواء في الداخل أو في دول الجوار، لكنّ القاسم المشترك بينهم هو معاناة الفلسطيني، وحلم العودة.
وبحسب وكالة الأونروا، فإنّ عدد اللاجئين المسجّلين حتى يناير2020 بلغ حوالي 6.3 ملايين لاجئ فلسطيني، غير أن هؤلاء ليسوا كل اللاجئين الفلسطينيين، فالكثير من الفلسطينيين رفضوا التسجيل لدى الأونروا لاستغنائهم عن خدماتها، ويعيش 28.4% منهم في 58 مخيماً رسميّاً تابعاً لوكالة الغوث الدولية تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيماً في لبنان، و19 مخيماً في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة.
لم تحظَ المخيمات الفلسطينية على اختلافها، وتحديداً في الضفة الغربية وقطاع غزة، بأي اهتمام من قبل السلطات الفلسطينية، سواء حينما فاوضت منظمةُ التحرير الاحتلالَ، أو حتى بعد تأسيس السلطة في أعقاب توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993. وهنا يمكن أن نتساءل عن مستقبل المخيمات والحلول التي يمكن أن تقترحها السلطات الفلسطينية لذلك.
كما يجب أن نشير إلى التحول الاستراتيجي في مفهوم حق العودة، لدى القيادات الفلسطينية، إلى جانب أن إعلان الاستقلال الشهير الذي أعلنه ياسر عرفات في نوفمبر 1988 لم يذكر حق العودة ولا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، واكتفى بالإشارة إلى تأييد، تسوية قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الأمم المتحدة.
يوجد حوالي 60 مخيماً قبل طوفان الأقصى، فهل نريد المزيد؟! قبل الطوفان بشهرين، طالبت الأونروا للحصول على 24 مليون دولار بشكل عاجل لتغطية خدماتها في المخيمات، فما بالكم اليوم، وقد توقف دعم الأونروا، وزاد عدد النازحين والمهجرين في قطاع غزة، حيث حالات العسر الشديد في ازدياد كبير، وسيساهم في ارتفاع معدلات التسرب من المدارس بين الأطفال الأصغر سنّاً، خاصة وأنً عدداً كبيراً من العائلات كان يعيش بشكل شبه كلّي على تلك المعونات والمواد التموينية التي كانت تُقدّم شهرياً.
فهل أخطأت الفصائل الفلسطينية تقديرات الحرب، أم أن فصيل غزة تمّ خذلانه من طرف حليفه ووكلائه في المنطقة، ودفع الفلسطيني الثمن غاليا بسبب ترتيبات غير دقيقة، وغير محسوبة العواقب، وانقسام الداخل الفلسطيني، واختلاف الرؤى والأهداف، سيؤدي في النهاية إلى نكبات جديدة ومخيمات جديدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور عبد الله العبادي – كاتب صحفي، محرر الشؤون العربية و الأفريقية في صحيفة الحدث الأفريقي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً