بقلم الأستاذ علي سليمان*
انتهى المونديال الذي استضافته قطر، وهي المرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وفي بلد عربي ومسلم. لذلك لا بدّ من التوقف عند بعض الحالات والمواقف المرتبطة بشكل مباشر بالسياسة؛ إذ أنه لا يمكن أن يمر كرنفال بهذا الحجم دون أن تستثمره بعض القوى، وعلى مستويات عدة: سياسية واقتصادية.
يجري الحديث هنا عن حالات بعينها، رأينا أنها جديرة بالطرح والمناقشة أكثر من غيرها:
1-السياسة هي التعبير المكثف عن الاقتصاد
كان من اللافت حضور الرئيس الفرنسي مباريات منتخب بلاده، ولا يمكن اعتبار الأمر عفوياً على الإطلاق؛ فالمنتخب الفرنسي يضم في صفوفه ستة عشر لاعباً ذوي أصل أفريقي.
تعوم القارة الأفريقية على مناجم عملاقة من الذهب، وفي الوقت نفسه تعاني شعوبها الفقر والمجاعات والاضطرابات السياسية والهجرة، في حين تمتلك فرنسا، التي شاركت في مونديال قطر 2022 بمنتخب شبه أفريقي رابع احتياطي للذهب في العالم؛ إذ يقدر احتياطي الذهب في فرنسا بحوالي 2436 طناً، والذي تقدّر قيمته بحوالي 112 مليار دولار، بالرغم من أنه لا يوجد على أرضها سوى منجم ذهب واحد. والغريب أن دولة مالي لا تمتلك أي احتياطي من المعدن الأصفر رغم وجود أكثر من 860 منجماً على أراضيها، كما أنّها تنتج سنوياً حوالي 50 طناً من الذهب. والأكثر غرابة في كل ذلك هو أن فرنسا تحارب الإرهاب في مالي! وهذا مدعاة للتأمل والبحث ومثير للريبة والأسئلة.
2-العنصرية
بينما كان ماكرون يطبطب على ظهور لاعبي فريقه مواسياً بعد خسارته في المباراة النهائية، موحياً للعرب والأفارقة أنه رئيس ودود ولطيف، برز على خلفية هذا المشهد من أفسد تلك الصورة؛ إذ تهافتت أصابع وقشور الموز على اللاعبين الأفارقة من قبل الجماهير الفرنسية، قائلين لهم: أيّها القرود، عودوا إلى أدغال أفريقيا البدائية … فأنتم لا تستحقون اللعب من أجل مجد فرنسا. وهنا يظهر الشرخ الحقيقي بين الفرنسيين والأفارقة حاملي الجنسية الفرنسية في مشهد مؤلم لا يمت للرياضة أو الأخلاق الرياضيّة بأيّ صلة.
3-دولة قطر والحلم الكبير
يبدو أن تنظيم دولة عربية وإسلامية للمونديال لم يرق للمزاج الأوروبي؛ إذ سعت بعض الجهات إلى عرقلة الترويج و التسويق الإعلاميين؛ كما أنهم أعادوا إلى الواجهة الجدل حول المثلية الجنسية، ويمكن اعتبار ذلك شكلاً من أشكال الاستفزاز للقيم الشرقية، التي يراها الأوروبيون تتنافى مع قيم الحضارة و الديمقراطية، والغاية هي إظهار البلد المستضيف بمظهر المستبد.
بالرغم من أنّ قطر- البلد المستضيف- أذهلت العالم بالتنظيم غير المسبوق والقدرة على تقديم نفسها بمظاهر رأسمالية باذخة، لم تفوّت فرصة تصدير الثقافة الإسلامية؛ إذ قامت قطر منذ لحظة الافتتاح بتقديم هدايا ذات طابع إسلامي كالمصاحف والسبحات وسجادات الصلاة؛ مستفزةً بذلك الغرب المتعالي على الثقافات الشرقية.
فالدين جزء لا يتجزأ من ثقافة الشعوب، وآثار الدين وتعاليمه لا تقتصر على الدين وحدَه فحسب، بل تمتد إلى السياسة والرياضة، وهذا أمر لا يختلف معنا فيه حتى المفكرون الغربيون.
تؤكد بعض التقارير الصحفية أن تكلفة مونديال قطر وصلت إلى حوالي 280 مليار يورو، وهذا الرقم يساوي تماماً الكلفة المدفوعة لإذكاء الصراع الدموي في سورية منذ العام 2011؛ وهذا في الحقيقة من غرائب الصدف!
لذلك، فإننا نعتقد أن استضافة قطر للمونديال هي مجرد هدية على خدمتها الكبيرة في إثارة وإذكاء النزاع في سورية.
قد يكون من الجدير، في هذا السياق، أن أختم مقالتي بالتذكير بكلمات الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في القمة الأولى لـ (الاتحاد من أجل المتوسط)، التي انعقدت في باريس عام 2008، وكان الرئيس القطري حاضراً فيها، على الرغم من أن قطر لا تقع على البحر المتوسط. قال ساركوزي وقتها: عندما تخلينا عن القارة الأفريقية اعتقدنا أننا أدرنا ظهرنا إلى الماضي، إلا أنه تبيّن لاحقاً أننا أدرناه إلى المستقبل!
والحقيقة أن جميع عناصر مقالتي وردت في عبارة ساركوزي، كما أنها كانت حاضرة في تلك القمة، وهذا أيضاً من غرائب الصدف، التي تستدعي التأمل والتفكير والبحث والتمحيص!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ علي سليمان – كاتب سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.