بقلم الدكتور جوزيف مجدي*
في وداع الرئيس الروسي بوتين قال الرئيس الصيني تشي: “تحدث الآن تغييرات لم تحدث منذ 100 عام، ونحن معاً نحرّك هذه التغييرات يا صديقي”. ولقد سمحت السلطات الروسية والصينية بتسريب الحديث بين الرئيسين.
بدون أدنى شك، نعيش الآن أجواء حرب كونية ثالثة ذات طابع عالمي، كمخاض تتشكل بعده ملامح عالم جديد ونظام عالمي جديد. عالم يتحول من الأحادية القطبيّة عبر الزعامة الأمريكية المنفردة إلى عالم متعدّد الأقطاب، يكون فيه لحلف يأجوج ومأجوج، أي روسيا والصين، دور في قيادة العالم، حسب التفسير الغربي الأنجلو-بروتستانتي لسفر النبي دانيال 39.
العالم الجديد لا يلغي الولايات المتحدة بل يدفعها إلى الخلف والصين إلى الأمام. دعمت واشنطن زعامتها العالمية بالقوة العسكرية و قوة الدولار، عبر القواعد العسكرية المنتشرة في كل أنحاء العالم. وهي الآن تتراجع بدين داخلي ومواجهة حقيقية لإمكانية انعدام قيمة الدولار الحقيقية من خلال رفع سقف الدين العام.
المتغير الآن في الحرب الروسية الأوكرانية هو دخول واشنطن على خط الحرب، ليس بدعم الـ 37 مليار دولار لأوكرانيا وبطائرات F16 وبطاريات الباتريوت فحسب، بل إن كل تكتيكات واستراتيجيات الحرب ضد موسكو هي أمريكية بامتياز، خاصة بعد دخول أوروبا حظيرة الهيمنة الأمريكية.
أثناء زيارة الوزير الروسي الأول لبكين كرد على قصف بيلغورود، والتأكيد على الاندماج الاقتصادي والسياسي الكامل بين روسيا والصين، أدلى ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الدفاع القومي الروسي، بتصريحات خطيرة، تكشف أننا على أعتاب حرب نووية عالمية.
لقد كان لافتاً ظهور سحب تفجيرات عش الغراب، والتي وصلت إلى سماء أوروبا، بعد قصف مخازن أوكرانيّة كانت تحتوي على يورانيوم منضب. فلقد قال ميدفيديف:” إنّ إرسال الولايات المتحدة وأوروبا الأسلحة الخطيرة إلى أوكرانيا سيؤدي للوصول إلى مرحلة خطيرة في الحرب، وهي مرحلة القيامة النووية.
لقد أصبحت الحرب الآن في شرق أوروبا بدون خطوط حمراء وبلا هويات أو أسماء جنود أو أسرى؛ فالروس يحاربون وحدهم فيالق قوات خاصة من دول عديدة من أمريكا، وحتى من بولندا. لذا، وكما صرح ميدفيديف، ستصبح الحرب علي طريقة «قتل الفئران»، أي قتل كل من يظهر على أرض المعركة فلا وجود لفكرة الأسر فيها!
يقاتل الروسي وحده وبشجاعة أمام فرق قوات خاصة لدول عديدة، والغرب يعلم أن لا إمكانية لتحرير الأرض التي تعتبرها موسكو حدوداً تاريخية لها وجزءاً من أمنها القومي؛ فأراضي أوكرانيا الشرقية كانت تسمّى روسيا الجديدة في يوم من الأيام.
صرح مارك ميلي، رئيس الأركان الأمريكي، أنه من المستحيل عودة تلك الأرض مرة أخرى للأوكران، ولو أعلن الغرب مصادرة الأموال الروسية في الخارج لأعلن الغرب نهايته!
فلن ينتزع أحد الأرض من روسيا مرة أخرى، و الغرب يعلم هذا جيداً لكنه يخدع شعوبه. ولن تفيد معادلة أرض أمام أرض وقصف أمام قصف، على طريقة قصف بيلغورود مقابل باخموت (آرتيومفسك). كما أن روسيا أثبتت تفوقها في السلاح الكلاسيكي بصواريخ كينجال أمام باتريوت، وطائرات السوخوي أمام F16 الأمريكية. وهذا في الواقع قد يكون من الأسباب المتأصلة للصراع بين الشرق و الغرب، أي مقارنة السلاح الغربي والأمريكي أمام السوفيتي.
الأسئلة الحاسمة في هذا السياق هي:
هل هناك فاعلية من أي هجوم أوكراني مضاد ومؤجل؟
وهل هناك ثمة إمكانية لغزو بري للأراضي الروسية؟
لقد أجاب رئيس أركان الجيش الأمريكي باستحالة انتزاع الروسي من فوق الأرض!
لكن الغرب يضلل الرأي العام العالمي بتفاصيل، وليس في الأفق سوى القيامة النووية، أو المبادرة الصينية للسلام وهي صعبة التحقيق لأنها تحمل رؤية روسية صرفة.
النفس الروسي بطيء و هاديء، وكما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: بوتين رجل عاقل لكن لا يمكن لأحد معرفة ما يدور في رأسه أو ردود أفعاله سوى الله وحده!
فأوكرانيا هي مجرد رقعة شطرنج لصراع على سيادة العالم بين اللاعبين الكبار، ولا أحد يمكنه التنبُّؤ بكيفية تبلور النظام الدولي الجديد، الذي سينبثق كنتيجة لهذا الصراع!
= = = = =
الدكتور جوزيف مجدي – طبيب و شاعر و كاتب سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً