بقلم الأستاذ عباس الزيدي*
بيّنّا سابقاً أن استثمار ملف الأكراد في المنطقة سيكون من أولويات الاهتمام الأمريكي في الأيام المقبلة، بعدما تعرّضنا بالتّحليل لما حصل في دير الزور بين المقاومة السورية وقسد، ثم جاءت أزمة كركوك بعد ذلك لتؤكد صوابية تحليلنا. كركوك لعبة النار التي تجعل العراق يقف مابين التقسيم (مشروع بايدن) والحرب الأهلية وتنفتح عليه كل خيارات السوء.
أولاً- ظاهر الأزمة
بدأت بقضية تسليم العمليات ودخول البارتي واستبدال المحافظ والانتخابات واعتراض العرب وقطع طريق كركوك-أربيل، وذهاب وفد يمثّل القائد العام للقوات المسلحة، ومن ثم التوتر والتصعيد، أدى إلى حظر التجوال. من ثم تدخل المحكمة الاتحادية وصدور أمرها الولائي لامتصاص ردود الأفعال لغرض التهدئة ولا زالت الأزمة قائمة.
ثانياً- باطن الأزمة
على ضوء المعطيات الخاصة بكل الأطراف الداخلية والخارحية ومواقفها ومشاريعها من العراق وحكومة السيد السوداني (سلباً وإيجاباً)، يأتي تشكيل ما يقارب 28 لواءً جديداً لمسعود البرزاني، وبدعم وتدريب أمريكي لقوات (البيشمركة)، التي لا تأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، وأغلبية هذه الألوية، بين موظف متقاعد أو في البيشمركة، يتقاضون رواتبهم من الحكومة الاتحادية.
1-السؤال هنا!
من أين يأتي مسعود بتلك الأعداد (28 لواءً)؟
هل هم من أكراد وعرب سوريا الذين تتجاوز أعدادهم 300 ألف، حيث تمّ منحهم الجنسية الأربيلية، ومُنحت لهم البطاقة التموينية؟
أم من التنظيمات الكردية الإيرانية الإرهابية، مثل الكوملة و حدك و الحيات و خبات و جماعة الدعوة والإصلاح و منظمة مجاهدي خلق؟
أم سيُفتح باب التطوع لكل شذّاذ الآفاق من المتقاعدين في أجهزة الاستخبارات العالمية، وتأسيس جيش من المرتزقة لخصخصة عسكرتارية جديدة، علماً أن مسعود يملك الكثير من المليارات التي تؤهله للتعبئة والحروب؟!
2-إنّ ما يحصل يثير الشكوك حول صفقة مشتركة بين مسعود وتركيا وأطراف عراقية أخرى لإخراج عناصر البي كي كي من الشمال؛ سيّما وأن ماحصل يتزامن مع زيارة الرئيس التركي للعراق، وهذا يعني خسارة الإيزيديين والمسيحيين والعرب وخسارة سنجار، لأنّ أعين كل من مسعود البرزاني وتركيا على سنجار، ذات الأهمية الاقتصادية القصوى في المشاريع العالمية.
3-إن عزل الحشد أو تحييده في الفترة القادمة سيكون أحد الأهداف بعد انتشار الأكراد وإغلاقهم للحدود.
4-لماذا كركوك؟!
هل لأهميتها النفطية أم لأنها ذات تعدّدية ديموغرافيّة، أم لتداخلها مع ديالى وصلاح الدين وارتباطها مع الموصل، بل ومع الأنبار، وبالتالي حصول أربيل على مايلي:
1-أرض تماسٍ لمعركة بريّة تقودها أمريكا وحلفاؤها ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لأنها عاجزة عن القيام بذلك في مناطق جنوب العراق، أو عن طريق الخليج لكي تتجنّب الخسائر هي وحلفاؤها من دول الخليج.
2-ضمان سحق أربيل لمنافسيها خصوصاً في السليمانية.
3-نجاح مشروع أربيل الانفصالي ومن ثم التّقسيمي.
4-من خلال تلك القوة (28 لواء)، و قوات أخرى، يصبح من الممكن خوض حروب الوكالة ضد أي منطقة أخرى. كما أن هذه القوات حريصة على رفع قدراتها لمواجهة الحكومة الاتحادية في بغداد، و مواجهة القوات الأمنية و الحشد الشعبي.
5-نجاح الحلف الثلاثي (الأمريكي التركي مع مسعود) في تصفية أكراد تركيا، وتحويل جميع أكراد المنطقة ضد العراق و إيران.
6-إذا نجح المخطط وتمدّدت أربيل فإن بغداد ومدن الجنوب ستصبح خارج أي مشروع اقتصادي سواء طريق الحرير أو مشروع الشام.
7-إذا أحكمت أربيل سيطرتها وفرضت قوتها، فماذا يبقى للعراق من منافذ، بعد إغلاق أمريكا للحدود السورية والأردنية؟ هل ستفتح لنا السعودية مثلاً أبوابها أم ستساومنا على أرض السماوة، والحال ينطبق على الكويت ومنافذها وزحفها المستمر على البصرة؟
8-مامدى تأثير ذلك على مستوى الصراع العالمي بصورة عامة، وسورية ومحور المقاومة بصورة خاصة؟
9-ماهو موقف إيران، أو ما سيظهر من مواقف صلبة صدامية، أمريكية كانت أو روسية على أرض العراق، بسبب الهوس الانفصالي أو المشاريع المتقاطعة بين المعسكرات العالمية؟
ثالثاً- حجم الخسائر
بالرغم من أن الموضوع يتعلق بما يحصل من صدام حول النظام العالمي والهيمنة الأمريكية لكنه مرتبط بقوة بالعراق، لأنه المتضرر الأكبر، علماً أن العراق قادر على إفشال تلك المشاريع وقلب المعادلات.
رابعاً-إن قراءة سريعة للأحداث يحتّم علينا مجابهة السيناريو الواضح وإنهاء تلك الأزمة، وجعل جميع الأطراف العراقية على بيّنة من أمرهم وإلقاء الحجة عليهم مع تورّط البعض منهم في ذلك المشروع.
= = = = =
*الأستاذ عباس الزيدي – باحث سياسي و خبير إستراتيجي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً