بقلم الدكتور محمدعياش*
عمليتان، على غرار الكمين المحكم الذي نفّذته كتائب المقاومة الفلسطينية شمال غرب قطاع غزة (جباليا) وأوقعت المعتدين بين قتيل وجريح وأسير، كانتا كافيتين لإعلان الهزيمة النكراء بهذه العصابة التي فقدت البوصلة الردعية في السابع من أكتوبر الماضي.
على الفور قرّر مجلس الحرب الصهيوني إرسال وفده التفاوضي مدّعياً بمنحه بعض الصلاحيات التي من شأنها أن تحدث اختراقاً، يعود على الكيان الصهيوني ببعض الانتصارات التي تحفظ له ماء الوجه السياسي، سواءً على المستوى الداخلي، وهذا ما يهمه بالمقام الأول، والخارجي على نحو أقل.
في الماضي، كانت الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة المحاصر تُبرر بالخطر الوجودي الذي تسوقه للعالم و للداخل، و للإفلات من المحاسبة والغضب الدولي، سيما أن الكيان الصهيوني يرفض بالمطلق الحديث عن الحلول النهائية لهذا الصراع، بهدف تصفية القضية الفلسطينية و استكمال الاحتلال.
ما حدث ويحدث الآن من الجلجلة الغزّية، التي ساهمت بتعرية هذا الكيان الغاصب و وحشيته غير المسبوقة، و إماطة اللثام عن الأكاذيب والأراجيف التي تغنى بها لعدة عقود، والتي حرّكت المياه السياسية الراكدة، وأحدثت تعاطفاً دولياً مع القضية الفلسطينية، بدءاً من الاعتراف بالدولة الفلسطينية و مروراً بتغيير بعض الدول موقفها من الكيان، وانتهاءً بالاحتجاجات الطلابية، التي يعدها الكيان الصهيوني بالأخطر من هجوم السابع من أكتوبر.
تجلّت حالة الهيستريا التي أصابت الكيان الصهيوني المجرم بالهجوم الوحشي على خيام المدنيين الأبرياء غرب مدينة رفح؛ وذلك لعجزه المطلق أمام ضربات المقاومة التي مرّغت أنفه وأنف من يدعمه. وأجزم أن هذا القصف الصاروخي على خيام الأبرياء العزّل ما هو إلا “خبط عشواء” لعل من بين المدنيين قادة ومقاومين، وذلك لعجزهم واستخباراتهم عن تحديد مكان وتواجد المقاومة ومقاتليها.
سيكون لمعركة “طوفان الأقصى” الأثر الأعظم على طريق الانعتاق من الأحادية القطبية الأمريكية؛ إذ شكلت حافزاً لانتقاد الكيان الصهيوني سواءً بالمحاكم أو بمواقف الدول التي تدعم الحق الفلسطيني، وسنشهد مع قادم الأيام جرأة، وربما الدعوة لعمل عسكري مشترك، ضد الكيان باسم الأمم المتحدة.
لم تعد الصورة الذهنية التي تقوم عليها دولة الاحتلال، باعتقادي، تُرهب العالم وأما عن أدواتها وآلياتها الجاهزة كـ “المعاداة للسامية” و “المحرقة اليهودية” والمظلومية، تحطّمت تحت أقدام المقاومين في غزّة، والعالم أصبح منفتحاً على القبول والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
«إسرائيل» وضعت نفسها موضعاً خطراً عندما قررت الهجوم البري على قطاع غزة كردة فعل، وفي حساباتها أنها حرب سريعة وخاطفة كالمعتاد، معتقدة أن المقاومة وتهديدها بالهجوم البرّي الشامل ستستسلم وترفع الرايات البيضاء، الأمر الذي جلب لها النتائج الوخيمة التي لم تستطِع دول أن تجنيها من الحروب الماضية، فضلاً عن إذاقة المستوطن الصهيوني طعم اللجوء والتنقل بحثاً عن الأمن والأمان.
يعترف قادة الكيان الصهيوني بأنه ليس بوسعهم تحقيق النصر و إرغام المقاومة على الاستسلام، وبالتالي فإنهم ماضون بغيهم و هيستريتهم و فقدان وعيهم من الصلابة التي تحلّت بها المقاومة، سواءً بإدارة المعركة أو من خلال المصداقية الإعلامية بين شعوب العالم، بل في قلب الكيان الصهيوني.
ستتجرع «إسرائيل» كأس السم، وتلهث وراء وقف إطلاق النار، لأن سقف المقاومة ارتفع أكثر فأكثر فبدلاً من المطالبة بدولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، تطلب تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، ولن أكون مبالغاً، لأن هناك مرتسمات ومتغيرات تفرض نفسها على الأرض، وما عجزت عنه إسرائيل بالعمل العسكري لن تأخذه بالسياسة والمراوغات والتلاعب بالألفاظ وما شابه.
إن حالة النفور الدولي، التي تتزايد يوماً بعد يوم من التوحش الصهيوني، وما يرافقه من عجز تام عن تحقيق أي من الأهداف التي وضعتها عصابة الإجرام والقتل، سيؤدي إلى الإمعان في قتل الأطفال والنساء والمدنيين العزّل، مصحوبة بجنون و فقدان أعصاب و الخطط و الاستراتيجيات؛ لأن الكيان ومن يدعمه فقدوا ورقة الوقت، وسيعلم العالم بأن المشروع الصهيوني مشروع نيكروفيلي عاشق للموت والدمار بالمقابل الحق الفلسطيني هو حق بيوفيلي، محب للحياة و التسامح و الاندماج مع العالم.
حالة الهيستريا التي تصيب الكيان تمهد لارتكاب مجازر فظيعة لأنها كما تزعم تتعرض لأزمة وجود، وبالتالي فالخطر كل الخطر أن يصمت العالم، أو يهادن ويتماهى مع الدعاية الصهيونية. وفي حال إذا خرجت «إسرائيل» من هذه المحنة من دون مساءلة ومحاسبة سيكون بمثابة إخضاع العالم برمته لهذه السياسة الصهيو- نازية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً