بقلم الأستاذ سفيان حشيفة*
تسعى الدبلوماسية الجزائرية جاهدةً إلى إيجاد تسوية سريعة للأزمة الليبية، عبر الدفع بآليات الحوار الداخلي بين الفرقاء السياسيين، ومنع تغلغل التدخلات الأجنبية المتسببة في تقسيم وتكليس المشهد الداخلي اللّيبي.
رفضت الجزائر التدخل الخارجي في دولة ليبيا الشقيقة منذ اندلاع النِّزاع سنة 2011، واضطلعت بدور إقليمي وأممي أكثر واقعية لإنهاء شبح الاقتتال والانقسام فيها، ودعمت جهود جمع الأطراف الليبية على طاولة واحدة للحوار وتقريب وجهات النظر لبناء مؤسسات الدولة في إطار حل ليبي –ليبي، وكذا لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية للعودة إلى الشرعية.
وقد شكّل الصّراع الداخلي الليبي خلال العقد الماضي نتيجة الخلافات والنزاعات وغياب مؤسسات رسمية موحّدة، تهديداً مباشراً لحدود الدول المجاورة مثل الجزائر، في ظلّ انتشار الإرهاب والجماعات الإجرامية المسلحة العابرة للحدود على المستويين الإقليمي والدولي، مؤدّياً ذلك إلى فتح الباب على مصراعيه لتنامي التدخلات الأجنبية، وفرض أجندات خارجية ماسّة باستقرار المنطقة برمّتها، على غرار ما يحدث في دول الساحل الإفريقي من هزّات أمنية وسياسية واجتماعية.
وللحفاظ على وحدة الدولة الليبية وحماية شعبها من الانقسامات، دعمت الجزائر جهود الأمم المتحدة الرامية إلى فرض حلّ تفاهمي توافقي بين الفرقاء السياسيين المرتبطين بالصراع الداخلي، حيث أشاد ممثلو المنظمات الدولية في مناسبات عديدة بدورها المحوري في حلحلة النزاعات في القارة الإفريقية، وقدرتها على الوساطة وإيجاد وابتكار الحلول السلمية للأزمات في مختلف الدول التي شهدت صراعات داخلية.
وتكرّس دور الجزائر الدبلوماسي أكثر عندما التحقت بعضوية مجلس الأمن الدولي غير الدائمة بداية سنة 2024، إثر انتخابها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بتصويت أغلبية ساحقة للدول الأعضاء، في خطوة إيجابية ساهمت في تعضيد جهود الوساطة الأممية الهادفة إلى التوصّل لحلّ سياسي سلمي للأزمة الليبية وباقي النزاعات الحاصلة والمستجدة في منطقة الساحل الإفريقي والشرق الأوسط.
وفي تصريحٍ سابقٍ، جدّد الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون، دعم الجزائر لدولة ليبيا الشقيقة، مؤكداً أن الحل في هذا البلد الجار لا يكون إلاّ عن طريق إجراء الانتخابات، متمنياً له الاستقرار في أقرب وقتٍ ممكنٍ.
وقبل ذلك، قامت القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني خوري، بزيارة إلى الجزائر في إطار التشاور والتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة حول تطورات ومستجدات المشهد الليبي.
وقال وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، السيد أحمد عطاف، في تصريح عقب لقائها، إن الاجتماع مثّل فرصةً للاطّلاع على المساعي والجهود التي تبذلها هيئة الأمم المتحدة في سبيل الدفع قدُماً بالعملية السياسية لحل الأزمة الليبية، مشيراً أن هذه المبادرات تدعمها الجزائر دعماً كاملاً غير مشروط وغير محدود، سواء من موقعها كعضو غير دائم في مجلس الأمن، أو من مواقعها المتعددة في مختلف المنظمات الإقليمية، وعلى رأسها منظمة الاتحاد الإفريقي.
من جانبها، دعت مجموعة (أ3+) التابعة لمجلس الأمن الدولي، التي تضم كلاً من الجزائر وموزمبيق وغيانا وسيراليون، مؤخراً، الأطراف الليبية إلى إزالة العقبات من أجل إجراء الانتخابات الوطنية، مع تكثيف التشاور
فيما بينها.
وأوضح ممثل الجزائر الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة، السيد عمار بن جامع، باسم مجموعة (أ3+)، أن هذه الأخيرة تجدّد أهمية التركيز على حلّ المسائل العالقة المرتبطة بالإطار الانتخابي بغية إزالة العقبات التي تحول دون إجراء الانتخابات الوطنية في ليبيا، مع تشجيعها بقوة للتدابير الجديدة الرامية إلى ضمان مشهد سياسي مستقر، لاسيما عبر توحيد المؤسسات العمومية التابعة للدولة.
هذا ورحّبت المجموعة المذكورة، بمقترح بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، المتعلق بإعادة بعث العملية السياسية، وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات وطنية في كنف الاستقرار والأمن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ سفيان حشيفة – صحفي وكاتب سياسي جزائري
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً