بقلم الدكتور مصطفى يوسف اللداوي*
لعلّه السؤال الأكثر إثارةً لدى الفلسطينيين خاصةً، ولدى أبناء الأمة العربية والإسلامية عامةً، الذين يتابعون بقلقٍ بالغٍ العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة وأهله، الذي لا يبدو أنّ له مثيلاً في التاريخ، بالنظر إلى حجم التحالف والتآمر والعدوان، وهول القصف والغارات، وحجم المتفجرات وآثارها، وكثافة النيران وغزارتها، مما تسبب في حدوث دمارٍ واسعٍ وخرابٍ كبيرٍ، واستشهاد ما يزيد عن عشرين ألف فلسطيني باحتساب المفقودين الذين بدأ استخراج جثامينهم من تحت الركام، وإصابة أكثر من ثلاثين ألفاً بجراحٍ متفاوتة.
السؤال المطروح بشغفٍ واهتمامٍ كبيرين، ماذا بعد انتهاء رابع أيام الهدنة الإنسانية، التي التزم بها الطرفان لمدة أربعة أيامٍ فقط، تنتهي في تمام الساعة السابعة من صباح يوم غدٍ الثلاثاء، الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني الجاري، فهل سيتم تمديدها لعدة أيامٍ أخرى، وفق شروطٍ جديدةٍ ومعطياتٍ أخرى، أم سيتم تحويلها إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار، وتعود الحياة في قطاع غزة إلى طبيعتها، ويعود سكان الشمال إلى بيوتهم، يتفقدونها ويزيلون ركامها وينتشلون جثامين من بقي فيها، ويستخرجون بعض متاعهم وثيابهم الصالحة منها، خاصةً أن الشتاء قد داهمهم ومياه الأمطار قد غمرتهم، مع رياح وأعاصير شديدة، ومسحة بردٍ ليليةٍ قاسيةٍ.
أم أن الهدنة لن تتجدد، ولن ينجح الوسطاء في تذليل العقبات، وإلزام الطرفين بتمديدها، وستعود الغارات الجوية الإسرائيلية والقصف البري والبحري، وسيعود القتال على الأرض وفي الميدان، وستبدأ موجة عنفٍ جديدةٍ واشتباكٍ قاسٍ يلحق بالإسرائيليين خسائرَ جديدة في الأرواح والآليات، في الوقت الذي يقصفون فيه المناطق المدمرة في القطاع، ويغيرون على البيوت والأهداف التي سبق قصفها، إذ لم يبقَ في بنك معلومات العدو الإسرائيلي أي أهدافٍ جديدة، غير قتل المدنيين، وتدمير بيوتهم، والقضاء على كل سبل الحياة في القطاع، بعد أن انتهى من قصف المدارس والمساجد والمخابز والمعامل ومحطات تحلية المياه وخزاناتها وغيرها.
لا شكّ أنّ كل الاحتمالات قائمة، وإن كان تمديد الهدنة وتوسيعها هو الأكثر ترجيحاً، إذ أن العدو الإسرائيلي معنيٌ جداً الآن أكثر من أي وقتٍ مضى، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية باستعادة الأسرى وتحريرهم، بعد أن أدركوا يقيناً أن استعادتهم بالقوة أمرٌ مستحيل، وأن استنقاذهم بمزيدٍ من القصف احتمالٌ مستبعدٌ، فالفلسطينيون شعباً ومقاومة، لن يفرّطوا فيهم أبداً، حتى تنتهي الحاجة منهم بتحرير جميع الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، دون شروطٍ مسبقة أو سياساتٍ ضابطة، أو تمييزٍ بينهم لجهة الأحكام والانتماءات، أو الجنسية ومكان الإقامة.
يرجح هذا الاحتمال فضلاً عما سبق بيانه أعلاه، الجهودُ القطرية والمصرية الضاغطة على الكيان الصهيوني، بالتعاون مع الإدارة الأمريكية، وتغير المزاج الشعبي والرسمي الدولي ضد الكيان، وقد صرّح رئيس حكومة الكيان يوم أمس، قبيل اجتماع مجلس الحرب، أن احتمالات تمديد الهدنة لأيامٍ أمرٌ ممكنٌ وسيكون مباركاً، مشترطاً أن تقوم حركة حماس يومياً بتسليمهم عشرة أسرى إسرائيليين مقابل كل يوم هدنة جديد.
لكن المقاومة الفلسطينية التي لا تعارض التمديد، بل تسعى إليه وتعمل لأجله، قد أعلنت أن الشروط التي طبقت في الصفقة الأولى لن تكون هي نفسها في الثانية، فإن كانت قد قبلت بتحرير ثلاثة أسرى فلسطينيين من النساء والأطفال مقابل كل أسير مدني إسرائيلي، فإن هذا المعيار قد سقط وانتهى، ولم يعد له وجود في أي مفاوضاتٍ أخرى، فالأسرى الذين في حوزة المقاومة الآن هم عسكريون فقط، وهم جنودٌ وضباطٌ وقادةُ فرقٍ وألوية، ومقاتلون كانوا في دباباتهم وآخرون كانوا بزيهم العسكري وعتادهم في ثكناتهم، أي أنهم محاربون، وتنطبق عليهم شروط المقاومة الجديدة، وعمادها الذي لا تنازل عنه ولا تفريط فيه، أن تجري مبادلتهم بجميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، دون تمييز أو مفاضلة، وبدون قوائم وتصنيفات.
إلى جانب تحرير الأسرى فإن شروطاً أخرى تطرحها المقاومة لتمام الصفقة، والموافقة على تمديد الهدنة ووقف الأعمال القتالية كافة، ومنها وقف الطلعات الجوية التجسسية، والامتناع الكلي عن إطلاق النار على المواطنين خلال حركتهم وانتقالهم، والسماح بعودة سكان الشمال إلى مناطقهم، بموازاة السماح بإدخال قوافل الإغاثة والمساعدات الدولية إلى كل أرجاء القطاع، وفي مقدمتها مناطق الشمال المحرومة والمدمرة.
وقد علم الوسطاء بشروط المقاومة، ويبدو أنهم نقلوها إلى الجانب الإسرائيلي، الذي ينبغي عليه الرد عليها مبكراً قبل فوات الأوان، والقبول بها فوراً بدل المماطلة والعودة إلى أجواء الحرب والقتال، ثم الاضطرار إلى العودة إلى ما كان قد رفضه، فالخيارات التي أمامه محدودة ومعدومة، فإما القبول بالصفقة والهدنة الجديدة والالتزام بشروطها، والحفاظ على حياة جنوده وضباطه في الأسر وفي الميدان، أو المغامرة بخوض جولة قتالٍ جديدةٍ، في الجنوب والشمال في آنٍ، تكون مقدمةً لتراجعٍ آخر وفشلٍ جديدٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور مصطفى يوسف اللداوي – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً