بقلم الأستاذ عباس الزيدي*
تمّ اعتماد استراتيجية السقوط الحر في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، علماً أنها أحد أهم أسباب سقوط النظام السابق، الذي تُرك له الحبل على الغارب، وتم تقديم الدعم الكامل لذلك النظام في جميع جرائمه ومفاسده وحروبه؛ الأمر الذي أسقطه في عيون الشعب، وفقد حصانة الدفاع عنه، ناهيك عن العمل على معارضته بقوة السلاح.
السقوط الحر-أسلوب وطريقة اجتماعية سياسية تستخدم على مستوى الأشخاص والمجتمعات والأمم والشعوب والأنظمة، وقد تجلّت بكل معانيها خلال أكثر من عقد على مستوى العالم وليس على مستوى العراق والمنطقة فحسب!
اما فيما يخصّ العراق، وتحت شعار الديمقراطية الفضفاض والزائف، انفلتَ عِقال الحرية الى المستوى غير المنضبط، بالقدر الذي تراجعت فيه كثير من قيم الفرد والمجتمع، الأخلاقية والشرعية والفكرية والثقافية. أُدخلت ثقافات وممارسات غريبة وهجينة ودخيلة هدّامة، أخذت بالتّعدي على الدّين والعقائد والمبادئ والأسس الأصيلة، التي تلاعبت بالفطرة السليمة والموروث الحضاري والقيمي. بدورها وفّرت مساحاتٍ كبيرةً للهدم وامتهان القانون والأعراف التي نخرت الجسد العراقي، ومزّقت وحدته على مستوى الأسرة الواحدة، وليس فقط على المستوى القبلي والعشائري أو المناطقي أو المكوّناتي.
حصل ذلك عبر مراحل وخطط وبرامج هدّامة، ساعدها في ذلك الإعلام المنحرف والمفتوح والمتاح. انعكس ذلك أيضاً على مستوى النظام السياسي، من خلال مفاسد جميع الأحزاب الأخلاقية والمالية؛ فأصبحت في موقف لا تحسد عليه. وهي الآن كالريشة المعلقة في الهواء بعد ان اقتلعت من جذورها وحواضنها بسبب تلك المفاسد التي شجع عليها الاحتلال الأمريكي. ليبدو النظام في العراق هشّاً وضعيفاً خاوي الأركان يأكل بعضه البعض الآخر، وفق شريعة الغاب التي حوّلت العراق مغنماً ومكسباً للقاصي والدّاني، من الدّاخل والخارج. لا قانون ولا دستور يُحترم، ولا رأي سديد يسمع، ولا ثابت يقف عنده الجميع، ولا رادع من دين أو وازع من ضمير؛ فاضمحلّت، بل تلاشت هيبة الدولة.
شهدت دولٌ كثيرةٌ في العالم هزّاتٍ عميقةً في أنظمتها السياسية، عبر ما يسمى بالفوضى الخلّاقة، التي هي فوضى بكل ما للمفردة من معنىً، لترسم الشعوب المخدوعة طريق نهايتها بيدها وتختار نهاياتها المظلمة السوداوية على طريقة السقوط الحر.
حتى على مستوى النظام العالمي أحادي القطبيّة، وقعت الولايات المتحدة الأمريكية بذات الشرك والفخّ الكبير؛ عندما سوّلت لها نفسها، وذهبت بها الأماني بعيداً. ذهبت وغالت وأفرطت في فرض هيمنتها وعنجهيّتها المدمّرة بالقوة العسكرية. تريد بذلك قهر الشعوب والأمم وفرض سيطرتها قتلاً ونهباً وسلباً لكل شيء من حياة وموارد وكرامات. لذلك نرى المواجهاتِ تتصاعد وعمليات التّصدي لها تأخذ أبعاداً كبيرة ومختلفة وهناك رغبة جدية للانعتاق من تلك الهيمنة التي تبلورت في صيرورة نظام عالمي ذي تعدّدية قطبيّة.
الوعي هو السلاح الامثل لمواجهة السقوط الحر!
الجميع هنا تحت درجات متساوية من المسؤوليات الأخلاقية والشّرعية والقانونية، من أفراد ومجتمعات وأنظمة وأمم وشعوب لمواجهة الكوارث والتصدي لذلك السقوط. المواجهة متعددة الجوانب، منها الفكري والثقافي والعقائدي والسياسي والاقتصادي والعسكري، وخلاف ذلك ستكتب نهاية غير محمودة العواقب على جميع سكان العالم.
= = = = =
*الأستاذ عباس الزيدي – باحث سياسي وخبير استراتيجي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً