بقلم الأستاذ عباس الزيدي*
لماذا لا يردّ، ومتى يردُّ، وإلى متى يسكت حزب الله على استفزازات العدو وجرائمه؟
وغيرها من الأسئلة التي يثيرها الكثير من المهتمين والمتابعين، منهم الصديق والمحب الذي يتساءَل بعفوية، ومنهم العدو الذي يتساءَل بخبث مفضوح وشماتة ظاهرة!
لجميع الأطراف نقول:
أولاً-في العلوم العسكرية تلعب التوقيتات دوراً مهمّاً في المعركة، بمعنى أنّ بعض الحروب تُحسَم وفقاً لانطلاق وقت شرارتها، ويكون لعامل الوقت الأثرُ الكبير على نتائج الحرب مع جملة من الظروف الأخرى، وكثير من الحروب خسرتها أطراف بسبب التوقيت غير الصحيح، لذلك يتجنّب حزب الله الدخول في معركة يضع توقيتها العدو وفق حساباته.
ثانياً-مع إعلان ترامب حسم مشروع الشرق الأوسط والدعم اللامحدود لإنشاء إسرائيل الكبرى، ولغرض إنقاذ حكومة نتنياهو من الانهيار الوشيك بعد فتح لجان التحقيق والاستجواب، فإن حزب الله على علم ويقين أنّ استدراجه للحرب حسب توقيتات يفرضها العدو في مثل هكذا ظروف تعيشها المنطقة ولبنان يُعتبر خطوةً غير سليمة.
ثالثاً-هناك أعداء من داخل لبنان يتربّصون الفرصة للانقضاض على حزب الله لو اندلعت المعركة مع الكيان الصهيوني، بغضاً بحزب الله ودعماً لإسرائيل لأنهم عملاء وهذا ديدنهم.
رابعاً-لايخفى على الشعب اللبناني أو دول المنطقة أنّ مايحصل على الحدود السورية من هجمات للعصابات التكفيرية الجولانية على القرى والمناطق اللبنانية باتفاق تركي يهدف إلى الولوج إلى طرابلس، ومن ثم السيطرة على كافة لبنان، وبالتالي تقسيم لبنان ما بين اسرائيل وتركيا، وما تبقّى يذهب للأخوة المسيحيين والدروز، أو يكون وطناً بديلاً للفلسطينين، بمعنى تكرار السيناريو السوري. لذلك فأي اشتباك دفاعي لحزب الله لصدّ العدوان الإسرائيلي الحالي سيرجح تنفيذ هذا السيناريو.
خامساً-في طوفان الأقصى كانت واشنطن تدير المعركة وتدعم إسرائيل، هي وحلفاؤها الأوربيون وتركيا في الخفاء أو من وراء حجاب. في هذه المرة ستكون أمريكا في الصدارة وظاهرة، سيما وأنها تعاني من الهزيمة والسخرية وتتعرض لضربات موجعة من قبل أنصار الله الحوثيين، و تتوسل كذلك يومياً وترسل الوسطاء لإيران لغرض التفاوض، وجمهورية إيران ترفض المفاوضات تحت التهديد؛ أي أن حزب الله حريص على عدم منح أمريكا و أذنابها فرصة لإظهار مظاهر القوة والتبختر بإحراز ما مضمونه (نصر) يحفظ ماء وجه الاستكبار والصهيونية العالمية.
سادساً-إن الهدنة التي أبرمت و تنفيذ القرار الأممي 1701 بشروطه كان بتعهّد أممي مع الإعلان عن تحمل الحكومة اللبنانية كامل مسؤولياتها بالدفاع عن لبنان وسيادة أراضيه، وهنا أصبحت المسؤولية على عاتق المؤسسات الرسمية اللبنانية، وهنا يريد حزب الله أن يضع الجميع، خصوصاً بعض الأصوات التي تقف ضد المقاومة، أمام الأمر الواقع ليكتشفوا وبالدليل القاطع مدى أهمية المقاومة وحزب الله حصراً في الدفاع عن لبنان وعن جميع أبنائه.
سابعاً-هناك قراءة، ليست جديدة، لكنها تأكدت بقوة بعد طوفان الأقصى، بأن جميع الأعداء المحليين في لبنان وخارجه يبيّتون النية واتفقوا على هدف خطير، لا يقتصر على القضاء على حزب الله وتصفيره سياسياً، بل أبعد وأخطر من ذلك في هذه المرحلة، يتمثل بالقضاء المبرم على مكوّن سياسي وهو شيعة لبنان، فلماذا يمنح حزب الله الفرصة لهؤلاء القتلة؟
ثامناً-المزيد من الصبر من قبل حزب الله، وعدم الانجرار وراء الاستدراج الواضح سوف:
1-يكشف النفاق والعنجهيّة الأمريكية والإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي والمحلي.
2-يكشف المنافقين في المنطقة أمام هذا العدوان.
3-يضع صنّاع القرار اللبنانين، ومن يمثلون المنظمات الدولية، في حرج كبير أمام مسؤولياتهم وجديتهم في مواجهة سياسة الاستكبار.
4-يضع الجميع أمام حقيقة هامة، تتمثل بالحاجة للمقاومة، وأهميتها وحقها المشروع في الدفاع عن أبنائها وأراضيها، وأن التمسك بخيار المقاومة هو الخيار الأمثل.
5-يعرّي بعض الأنظمة وموقفها من العدوان الصهيو-أمريكي على غزة ولبنان وسورية.
تاسعاً-إن حزب الله هو ابن مدرسة الصبر الاستراتيجي، لذلك لا ينجرّ أو يُستدرج لحرب غاياتها وأهدافها معروفة، تتحقق تلك الأهداف بالوقوع في فخ توقيتات العدو ونجاحه في استدراج حزب الله، ولن يفلح الأعداء رغم افتعال الذرائع وفبركة الأحداث.
تأسيساً على ما سبق، يتصرف حزب الله بمنتهى الحكمة، لأنه من مدرسة الصبر، التي تلتزم قول الإمام علي: “سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري وأصبر حتى يحكم الله في أمري سأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على شيء أمر من الصبر”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ عباس الزيدي – باحث سياسي وخبير استراتيجي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً