بقلم الدكتور عبدالله العبادي*
لا زال العرب يرَون قوّتهم في الثروات الطبيعية التي حباهم الله بها، واستغلها الغرب. لا زالوا ينظرون لباطن الأرض وخيراتها، ورغم ذلك معظم الدول تعيش أزماتٍ اقتصاديةً كبيرةً رغم النفط والغاز.
المشكلة لا تكمن في الثروات الباطنية من المعادن والطاقة، ولكن تكمن في بنية العقل البشري، في المادة الرمادية المُكوّنة للدماغ العربي. مجتمعاتنا ثريّة بالقبلية والغِلّ والحسد والجهل والحروب، وسلّطَ الله عليها نُخباً سياسيةً لا ترحم، أتت على الأخضر واليابس إلا نادراً.
سيقولون مؤامرات وتدخّلات الغرب، ربما نعم، لكنّ السببَ الأساسي هو الإنسان العربي المُشبع بالصراعات والأحقاد. الإنسان الذي يعيش في زمنين متناقضين، الماضي الجميل والواقع المرّ، فيختار الاختباء في أمجاد الماضي، لأنه عاجز عن تحقيق الذات اليوم.
نيجيريا، من كبار دول النفط والطاقة، لكنها من أفقر الدول بسبب جشع الإنسان وتناحره، سنغافورة التي لا يوجد بها مياه للشرب، حققت نمواً اقتصادياً تفوّقت به على اليابان. إنه الاستثمار في الإنسان والسياسات الرشيدة.
السودان، سلّة الغذاء العربي، ملايين الهكتارات الزراعيّة، والثروات الباطنية، لكنها تئِنّ تحت خط الصراع اللامنتهي، حتى صارت دولةً بلا ملامحَ مستقبلية. وكذلك العراق، وليبيا التي دخلت في صراع قد لا ينتهي في الأمد القريب.
من العيب اليوم، في زمن حققت اليابان وكوريا الجنوبية، رغم تضاريسهما الصعبة، تقدّماً تقنياً كبيراً دون طاقة ولا نفط، ونحن لا زلنا ننظر إلى باطن الأرض كقوة اقتصادية، في عصر اقتصاد المعرفة والتحول الرقمي، وما يملكه العرب اليوم، قوة مالية وليست قوة اقتصادية، فالفرق شاسع جداً بين المفهومين.
هواتف صغيرة وحواسب لا تكلف الكثير، ولا تتطلّب براميل من النفط، لكنها شركات تربح الكثير وتسيطر على الاقتصاد العالمي، ومن الصعب بما نملك من ثروات مجاراة أرباح شركات الاتصال الرقمي اليوم.
ما دمتم تستثمرون في العقارات والحدائق والمحلات الفاخرة، فأنتم لا زلتم تفكرون بعقلية الاستثمار الميت؛ فيوم التحول الطاقي قريب جداً، وستجدون أنفسكم مع براميل لا أحد يريدها، وقد تعود بعض المجتمعات للرعي من جديد.
الاستثمار في الإنسان أولاً، ثم المياه، وتحلية مياه البحر، والمناطق الصناعية، والتكنولوجيا الدقيقة، وتحقيق الأمن الغذائي، من أولويات المجتمع العربي اليوم، وليست الطائفية والقومية والقبلية والإيديولوجيا وصراعات المفاهيم التي تسيطر على المشهد الثقافي اليوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور عبد الله العبادي – كاتب صحفي، محرر الشؤون العربية و الأفريقية في صحيفة الحدث الأفريقي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً