بقلم الدكتور محمد عياش*
لفت انتباهي وأنا أبحث عن جامعة الدول العربية في محرك البحث «غوغل»، أن العراق أراد تسميتها (الاتحاد العربي)، وسوريا اقترحت تسميتها (التحالف العربي)، ليستقرّ الاسم على («جامعة» الدول العربية) تنازلاً عند رغبة جمهورية مصر العربية، وتعد أقدم منظمة دولية قامت بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تكوّنت في 22 آذار/ مارس 1945، أي قبل منظمة الأمم المتحدة بشهور.
لكن ما شدّ انتباهي أكثر، أن يلقي أنتوني إيدن وزير خارجية بريطانيا أنداك خطاباً يقول فيه: ” إن العالم العربي قد خطا خطواتٍ عظيمةً منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو أكثر مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به، وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجوب تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية، وكذلك الروابط السياسية أيضاً… وبريطانية سوف تبذل تأييدها التام لأي خطة تلقى موافقة عامة”. وفي فبراير/ شباط 1943 صرّح إيدن في مجلس العموم البريطاني بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين «العطف» إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية.
يقول الزعيم الغاني الكبير كوامي نكروما: ” إن مرور الجمل الذي يضرب به المثل عبر ثقب إبرة أسهل من أن تقدّم إدارةٌ استعمارية سابقةٌ لأرضٍ تحررت منها استشارةً صادقةً سليمة ذات صبغة سياسية”. فبريطانية كانت تمثّل القابلة القانونية القادمة للمولود المسخ «إسرائيل» على أرض فلسطين، وإنها إذ تحاول الجمع بين تلك الدول العربية -وهي سبع وقتذاك- لضرورة التحكم والسيطرة على قرارات الزعماء اللذين سيبقون على لحظة الشكر والتبجيل كونها ساعدتهم وعملت كراعية لهذا التجمع، أما الشعوب إلى هذه اللحظة رغباتُها تعاكس قياداتِها!
ما يجري، وجرى منذ اغتصاب فلسطين واقتطاع أجزاء كبيرة من الوطن العربي لحسابات استعمارية خبيثة، ونشر الفرقة بين الدول والتجاذبات…، وما رافقها من قرارات مجحفة بحق الوطن العربي وحرمانه من التمتع بثرواته الهائلة بشكل عام، وفرض معايير ومقاييس للتطور والنمو، ومراقبة البرامج التعليمية والتربوية والتوجيه بمخالفة العادات والتقاليد العربية بحجة التخلف والجهل، والعمل على غرس ثقافة مغايرة تماماً، بالإضافة إلى انعدام ثقة المواطن العربي بهويته العربية وبدولته والاعجاب بالآخر الأوروبي وتجربته «الحضارية».
وزيادة الدول العربية بهذا التجمع، والبنود والقرارات والمواثيق والدساتير والتصاريح والتسهيلات… إلا أنها لم تستطع أن تحرر شبراً واحداً من الأرض العربية، وعن النفقات التي تصرف عند عقد القمم، والبيانات الختامية التي لا تسمن ولا تغني من جوع؛ ناهيك عن ثبات المقر «القاهرة»!
كل هذا السرد المختصر، نسأل، والسؤال في رأس كل مواطن عربي، أين الجامعة العربية مما يحصل في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، وقبلها تقسيم السودان والحرب المستعرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؟.
من هنا يبدو الاستقرار على تسميتها بـ الجامعة العربية، تخفيفاً أو تظهيراً لها على أنها تعنى فقط بالاقتصاد والمشاركات بالمحافل الدولية كمنظمة براغماتية تسعى للحضور فقط دون أن يكون لها عنصر قوي تستند عليه كـ «حلف الناتو»، و«وارسو» أو تحالف «Five Eyes» تحالف استخباراتي يشمل كلاًّ من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، بموجب المعاهدة البريطانية الأمريكية متعددة الأطراف، وهي معاهدة تختص بمجال التعاون المشترك في استخبارات الإشارات 1941.
أعتقد آن الأوان للنظر في هذا التجمع الهلامي المهترئ، الفاقد للأساسات، وغير القابل للتطور أو التحديث مع متطلبات العصر، فأي مؤسسة أو شركة أو تجمع عندما لا يلمس تطوراً أو تقدماً يلجأ دائماً للأخذ بأسباب التطور ومواكبة الأحدث لضمان البقاء والتنافس… على العكس تماماً يبقى الأمين العام للجامعة العربية مدة أطول دون أي إنجاز، والدعوة لعقد قمة لمناقشة أي مستجد أو أي طارئ.. مدعاة للسخرية والتهكم.
فالأحداث الخطيرة الراهنة كفيلة للصحوة والتقدم نحو تغيير جذري قائم على نبذ الخلافات بين الدول العربية، والتغيير المنهجي والممنهج، وتفعيل الدفاع المشترك، والإعلان عن الاتحاد العربي أو التحالف العربي لما لهما من معانٍ عظيمة من أجل إنعاش الإحساس بالمسؤولية الكاملة تجاه القضايا العربية، والمصير المشترك وتفويت الفرصة على المخططات الصهيو-أمريكية بابتلاع أكبر قدر من الأراضي العربية. وغير ذلك فهي تعتبر قطاً ميتاً لا تستحق حتى الركل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً