بقلم الدكتور جوزيف مجدي*
ومن حرب غزة هناك خريطة جديدة يتم إعادة رسمها للعالم من الباسيفيكي وحتى البحرين، الأحمر وبحر عُمان. تستغل الولايات المتحدة الأمريكية حرب غزة وتهديد جماعة (الحوثي) لتحاول إعادة عسكرة الممرات البحرية.
لقد رفضت الصين أي تواجد عسكري لها في البحر الأحمر دفاعاً عما يسمّى أمريكياً “بحرية الملاحة” في منطقة (خليج عدن / السويس)، والموقف الروسي كالموقف الصيني.
تبني روسيا خط دفاع خاص بها يمثل حدود أمنها الخارجي، ويحمي السفن المارة من الباسيفيكي إلى خليج عدن. وفي تقرير صحفي لوكالة AVIA PRO المقربة من المخابرات الروسية، تم الحديث عن اجتماع سري لقادة تنظيم الحوثي العسكريين وقادة الأجهزة الاستخباراتية للتنظيم، يؤكد فيه قدرة الحوثيين على توجيه ضربات نوعيّة للمدمرات البحرية الأمريكية، وامتلاك تكنولوجيا للتعامل مع الطرز الأمريكية للمدمرات.
تحدث الجنرال محمد العطيفي وزير الدفاع والجنرال عبد الكريم الحوثي وزير الداخلية عن أن التنظيم في حالة طوارئ وأنه سيرد على الولايات المتحدة.
إذن أمريكا معزولة في إعادة عسكرة المنطقة الممتدة من الباسيفيكي إلى البحر الأحمر بأمر روسي-صيني، وبحياد مصري عن الدخول في تحالفات عسكرية كثابت سياسي للقاهرة.
إذن، فبعد الامتناع الروسي الصيني الإيراني عن المشاركة في مثل هكذا تحالف لحماية حرية الملاحة، والحياد المصري، وبعد رفض الاتحاد الأوروبي، عبر إسبانيا، الانضمام لحلف حماة الازدهار الأمريكي في البحر الأحمر، فهناك عزلة أمريكية؛ رغم أي ادّعاء دبلوماسي بالعمل داخل تحالف دولي على الطريقة الأمريكية لحماية الملاحة في البحر الأحمر.
فضلاً عن ذلك، تؤكد زيارة المستشار الألماني إلى تل أبيب بعد السابع من أكتوبر بوضوح أن ألمانيا هي الدولة الأوروبية الوحيدة القريبة من الاستراتيجية الأمريكية. وأمام قوة رؤية الحلف الصيني الروسي الشرق-أوسطي،
وثبات حياد القاهرة حيال أي تحالفات، لن يستطيع الجانب الأمريكي اللجوء لأي رد فعل عسكري. لذلك، فشلت واشنطن في جرّ القاهرة عبر الضغط الخليجي في حرب اليمن، كما فشلت في جرّ إيران بوعي استراتيجي روسي-صيني في ضبط البوصلة الإيرانية.
يحاول الجانب الأمريكي الآن إعادة رسم خارطة الحرب العالمية الثانية وصياغة تموضعات جديدة مختلفة عن ترتيبات عام 1945. لكن أمريكا معزولة تماماً في إفريقيا والشرق الأوسط، وحتى داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. فمنذ تسليح أوكرانيا أمام الروس؛ وأمريكا في هزيمة استراتيجية، بدأت من حرب شرق أوروبا واكتملت بحرب غزة، نتيجة لسياسة الإنكار والتواطؤ الأمريكي في إبادة شعب فلسطين، والتواطؤ على الأمن القومي الروسي.
تريد واشنطن فرض النفوذ والسيطرة على خليج عدن لكنها وحيدة في هذا المسار، وليس عندها من أوراق سوى المزيد من الضغط الاقتصادي والعقوبات على الدول التي لا تخضع لسياساتها، وعلى كل مصادر تمويل الحوثيين وحماس؛ وهي شبكات مخابراتية معقدة داخل المنطقة وخارجها.
تستعد الصين وروسيا لأي تحرك أمريكي على رقعة الشطرنج لتكون إيران والحوثيون جزءاً ورقماً صعباً في (رد الفعل) على أي تصرف عسكري أمريكي. فالولايات المتحدة هي من تقود حرب غزة، وبالتالي فردّ الفعل سيكون حريقاً إقليمياً بامتياز. فمن المؤكد، حسب المخابرات الروسية- وهذا ما أشار إليه الإعلام الروسي- أن الحوثيين يمتلكون قدرة رد الفعل ضد حاملات الطائرات.
تريد واشنطن تغيير خارطة العالم لكن المؤكد أن أمريكا لم تعد هي حاكمة العالم المطلقة في عالم جديد يتّجه من عصر القطب الواحد إلى عصر متعدّد الأقطاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور جوزيف مجدي – طبيب و شاعر و كاتب سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً