بقلم الدكتور محمد عياش*
تلقى الرئيس الأمريكي جو بايدن صفعة وهو في طريقه إلى الشرق الأوسط بعد تلقيه نبأ انسحاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من الاجتماع الرباعي المقرر في عمان في الثامن عشر من هذا الشهر أي بعد يوم من المذبحة المروعة الذي ارتكبها الكيان الصهيوني بمستشفى المعمدان شرقي القطاع وراح ضحيته أكثر من خمسمائة شهيد والإصابات يفوق العدد بمرتين ليُعلن بعد ذلك نسف القمة برمتها ليحط رحاله في تل أبيب ليذرف دموع التماسيح على ضحايا الهجوم البطولي في غلاف غزة.
بايدن حزين على ضحايا المستشفى؛ لكنه برأ نتنياهو من المسؤولية، وقال له أنكم لستم من قام بذلك إنه الآخر! ماذا يسمى ذلك بقاموس الدبلوماسية؟ إنه الإبداع الذي تفتق فجأة في فكر الرجل العجوز (القشعم) الذي يستمر بالسقوط على سلالم الطائرات والأرض.. فالسقوط الدبلوماسي ووجهه القبيح لا يمكن لأحد أن يساعده في النهوض لأنه ذو خلفية فكرية أحادية، إسرائيل ضحية الديمقراطية التي تتمتع بها على خلاف دول الجوار.
قبل أن يوغل في العمر وبالتحديد في العقد الرابع من عمره صرّح بأن إسرائيل إن لم تكن موجودة فسنعمل على إيجادها؛ إذاً هو تسابق انتخابي محموم أو تقديم أوراق اعتماد للوبي الصهيوني القوة الفاعلة على الأرض الأمريكية، وها هو الآن يقطف ثمرات تصريحاته.
كما أن إسرائيل مشروع للغرب في قلب الوطن العربي، والولايات المتحدة أيضاً هي مشروع تم الاتفاق عليه غداة القضاء على النازية، وذلك للتحرر من القوانين التي سنّت بعد هزيمة النازية الألمانية، لأن ونستون تشرشل توجه بالحديث للجنرال الفرنسي شارل ديغول قائلاً، بما معناه، سنعمل تحت حكم الواسع الكبير أي الولايات المتحدة الأمريكية.
على الفور تم نقل القوة الاقتصادية اليهودية من قارة أوروبا، باتجاه واشنطن وذلك للتحرر من القوانين الصارمة أولاً، ولإيجاد قوة عظمى تتبنى وتحافظ على الكيان الصهيوني الذي عينه على فلسطين حسب التعليمات التلمودية.
إذاً لا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يخالف التعليمات بوجود حزبين كبيرين، الجمهوري والديمقراطي اللذان يختلفا في كل شيء إلا في شيء واحد هو إسرائيل، يتنافسان ويتسابقان لنيل الرضى من جماعات الضغط اليهودي (اللوبي) والذي سُمي بعد ذلك بـ أيباك وله مؤتمر سنوي، فيه يتسابق المرشحون للرئاسة الأمريكية.
بايدن جاء لإسرائيل وفي جعبته الدعم المطلق للكيان، وهو على بُعد أشهر من الانتخابات الأمريكية 2024 والذي يتمنى أن يستمر لأربع سنوات مقبلة، فهو غير مستعد للنظر في أوضاع الفلسطينيين، وليس مضطر لأن يضع نفسه محط انتقاد سواءً عن طريق إطلاق الوعود أو زلة لسان، وبالتالي فإن تكريس الدغمائية الأمريكية المعمول بها على طول فترة الاحتلال الصهيوني لفلسطين هي الرؤية والقناعة بتصديق إسرائيل حتى لو قصفت مستشفى أو دار أيتام وحتى منازل المدنيين، فلكل فعل إسرائيلي جواباً فيه من التبرير والتخلص من المسؤولية حدث ولا حرج.
في الوقت الراهن لا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يعترض على سياسة إسرائيل، وهذا ما يبعث الراحة لدى الأوساط الفاعلة داخل اللوبي الصهيوني. تهديدات رئيس العدو الصهيوني الأسبق مناحيم بيغن للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في الستينيات من القرن الماضي عندما حاول الأخير الضغط على سياسة إسرائيل في الاستيطان على الأراضي المحتلة، حيث توعده، سأعاقب كارتر وليعلم من يقود الكونغرس وحزبي السلطة في الولايات المتحدة، حاضرة مع قدوم رئيس جديد، وبالتالي لا مفاجأة من الدعم الأمريكي لإسرائيل.
لكن كما يقول القانون الثالث من قوانين نيوتن للحركة في الميكانيكا التقليدية، على أن القوى تنشأ دائماً بشكل مزدوج، حيث يكون لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار وعكسه في الاتجاه. وتعيين أحد القوتين كفعل والأخرى كرد فعل هو تعيين تبادلي حيث يمكن اعتبار أي من القوتين فعل في حالة اعتبار الأخرى رد فعل، والعكس صحيح.
إن هذا المثال على القوتين، ينطبق على القوتين، الولايات المتحدة وإسرائيل، لأن الأولى تتحمل عبء وتصرفات الثانية وإحراجها وزيادة الحنق الدولي عليها، والثانية تتسبب في زيادة التحالفات المناوئة لواشنطن والتي ستفضي في نهاية المطاف لانهيارها وتكون هي السبب غير المباشر التراكمي، وبالتالي في حساب القوة إسرائيل قوة اقتصادية أولى في العالم من حيث السيطرة على مقدرات الكرة الأرضية وللذين يريدون التأكد عليهم بالبحث.
= = = = =
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً